جريدة تحيا مصر

اخر الأخبار
ads

منوعات

أم كلثوم.. سيرة الحب والمجد الممتدة عبر العقود

الأحد 24/يناير/2021 - 12:01 ص
تحيا مصر
طباعة
بوابة تحيا مصر

إذا أراد غريبا أن يثبت مصريته ويتحدث كأنه ابنا لهذا البلد، فلا بدّ وأن يأتي ذكر "أم كلثوم" كعاشق لها وحافظ لأغانيها، لتبدو عن جدارة مستحقة للقب "الهرم الرابع"، ومَنْ يشار لها دوما كعلامة تميز بلد صاحبة حضارة تخطت الخمسة آلاف عام، صارت هي جزء أصيل منها بصوت قوي كثيرا ما تم اعتباره "معجزة" تمكنت من خلالها اختزال المشاعر والأصالة والسحر و"العظمة" أيضا. في كلمات تصف خروجها على المسرح، قد تتباين مدتها من الدقيقة وحتى الخمس، يبدأ المذيع في الحديث عن مكان استقبال "كوكب الشرق" وأي مسرح وفي أي محافظة ستشدو بصوتها ليلتها، يذكر أسماء بعض الحاضرين من المشهورين وأصحاب المكانات الاجتماعية والسياسية، ثم ينهل في وصف الصوت القوي الصادح ويشير للملحن والمؤلف، وما أن يلوح في الأفق موعد صعودها على المسرح، تستشعر الجلال في صوته "أيها السيدات والسادة في هذه اللحظات، ينفرج الستار عن كوكب الشرق أم كلثوم والفرقة الموسيقية..". لا يمكن لموضوعات وأعمال درامية ووثائقيات أن تلخص سيرة أم كلثوم، والأهم أنها لن تستطيع أن تُعطي للفارق الواضح الذي أحدثه حضورها على الساحة الفنية مهما حاولت، حقه وقيمته. ما بالك إذا أردت أن تحكي سيرتها، ستبدو الكلمات دوما قاصرة وعاجزة، وتشعر كأنك تعيد ما يحفظه الجميع عن ظهر قلب، ولكن تتمنى أن يكون لك مساهمة في سرد سيرة اختلطت بتاريخ مصر وصارت لا تنفصل عنه، ونسجت فصولا من أحداثه. السيدة التي جابت بلاد الله شرقا وغربا، واستُقبلت فيها جميعا استقبال الرؤساء والزعماء، كانت مجرد فتاة لم تتخطَ التسعة أعوام تردد الموشح الديني، الذي كان والدها يحاول أن يحفظه لأخيها الأكبر، وفوجيء أنها تتقنه وتشدو به، فلفتت موهبتها انتباهه وقرر أن يعلمها ويصحبها معه في حفلات غناء التواشيح الدينية، فهو الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي، مؤذن وإمام قريته طماي الزهايرة بمركز السنبلاوين في محافظة الدقهلية، الذي كان يلجأ للتواشيح والأداء في الحفلات كطريقة يزيد بها دخله. في 31 ديسمبر 1898 (التاريخ الأقرب ليوم ميلادها)، أنجبت فاطمة المليجي ابنتها الصغرى "أم كلثوم إبراهيم السيد البلتاجي" الذي أصر والدها على أن تحمل اسم إحدى بنات الرسول، فتاة صغيرة تحب اللعب مع فتيات قريتها وتعمل أحيانا في جمع المحاصيل، حيث كان الغناء مع الجموع تسلية وطريقة لتمضية الوقت، ذهبت للكُتّاب مدة قصيرة أراد بعدها والدها أن تكتفي بها، لكن والدتها أصرت أن تستمر في التعلم على أن تحاول توفير المال الذي يضمن ذلك، فضيق ذات اليد أمر ظلت تعانيه أسرتها لسنوات. "قالي تعالي معايا وهجبلك طبق مهلبية" هل يمكننا أن نشكر "طبق المهلبية" الذي أغرى أم كلثوم في طفولتها حتى تقتنع بالذهاب مع والدها لحضور حفل لدى شيخ البلدة؟ حين رأت انبهار الحاضرين وكان عددهم 15 "مكنوش معجبين بصوتي، قد ما كانوا مبسوطين بإني طفلة صغيرة بتغني"، وظلت من وقتها ترافق والدها وأخيها في الحفلات والموالد، "مكنتش عاوزة أكون مغنية ولا فنانة" كانت تريد فقط أن تلعب وتساعد عائلتها في زيادة دخلهم. بعقال وملابس تشبه الأولاد، عُرفت أم كلثوم في الحفلات التي كان يصطبحها لها والدها، بعد أن دربها وعلمها على التواشيح الدينية، واهتم بحفظها للقرآن الكريم فكان صوتها القوى ونبرته الحادة لافتة دوما لانتباه الحضور، وإلى جانب العدد والأدوات التي يتجهزون بها في كل رحلة، كانت تحوطهم توصيات والدتها لوالدها فتطلب منه أن يرعاها ولا يجعلها تحتك بأحد، وتدعو لله أن يعودوا جميعا سالمين. في خلال هذه الفترة في مصر، قبيل ثورة 1919، لم يكن غناء المرأة أمرا من السهل قبوله، والغناء بالأساس لم يكن مهنة لها وضع اجتماعي مميز أو يتم تقديرها، كما هو حادث الآن، ولذلك كان ظهورها دوما في الحفلات والموالد محفوفا بكثير من المخاطر والتداعيات التي من الممكن ألا تكون في الحسبان. في أحد المرات ذهبت إلى إحياء حفل مع عائلتها وجدت الصوان فارغا، فهذا الشتاء والجو برودته لا تُحتمل، وتضطر العائلة إلى العودة من مشوار كلفهم المال والوقت، ومرة أخرى بعد الوصول إلى قرية تبعد عنهم الساعات لإحياء فرح، يجدو أن الحفل قد تم إلغاؤه، وثالثة يهاجمهم أحد الحاضرين- الذي كان مخمورا- بمسدس محاولا أن يجبرها أن تقول "يا ليل"، وأن تتوقف عن غناء التواشيح الدينية، حينها لم ترتعد أم كلثوم رغم صغر عمرها، تملكها العند ورفضت وواجهته "إذا كنت راجل أضرب"، أنقذهم حينها أحد المعارف، ولكن تأكد للجميع أنه لا يمكن إجبارها على فعل ما لا ترغب، وأنها صاحبة شخصية قوية وقادرة على الصمود. تعرّض أم كلثوم لهذه المواقف وأكثر منها في أثناء جولاتها مع أسرتها في القرى والنجوع والعزب، يجعلنا ندرك عن حق أن المشوار لم يكن أبدا سهلا، وأن حضورها القوي على المسرح وآهاتها القادرة على أن تنتزع قلبك من مكانه نتج عن خبرة سنوات طويلة كافحت على مدارها أم كلثوم حتى تكون "كوكب الشرق". "أبويا له فضل كبير قوي عليّا" تعلم أم كلثوم أنه لولا والدها ما كان يمكن لها أن تغني وتصبح واحدة من الرموز التي يشار لها كأعظم مطربات كل العصور، والسيدة التي لم تتوقف شهرتها عند الغناء والطرب ولكنها تعدت ذلك لتكون سفيرة لمصر في كل بلاد العالم، وكأنها تحمل في صوتها أحياء القاهرة وتراثها وحضارتها.

إرسل لصديق

ads

تصويت

ما هي توقعاتك لقرار البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة

ما هي توقعاتك لقرار البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر