جريدة تحيا مصر

اخر الأخبار
ads

تحقيقات

خلف غبار الدقيق..جنود مجهولون وراء إنتاج 250 مليون «رغيف عيش» يوميا

الثلاثاء 16/فبراير/2021 - 11:28 ص
تحيا مصر
طباعة
بوابة تحيا مصر

"رغيف العيش" كان دوما فى الوعى الجمعى للمواطن المصرى مغلف بقدسية ما، فلابد من إبراز الاحترام للقمة العيش التي تعد من أهم النعم التي يقسم بها المصريون و"العيش و الملح " كدلالة على العشرة الطيبة بين طبقات وأفراد المجتمع.. ربما تكون الثقافة الفرعونية قد امتزجت بالثقافة العربية، فما زالت عملية الخبيز نفسها تكتسى بهذه القدسية، فالنساء في الريف حتى يومنا هذا لا تخبزن أبدًا إلا و هن طاهرات تماما وكأنهن يتجهزن للصلاة.


.. يصل عدد الأفران والمخابز التي تبيع الخبز المدعوم من الدولة بنحو 28 ألفًا تنتج ما بين ٢٥٠ إلى ٢٧٠ مليون رغيف يوميًا لنحو ٧٠ مليون مواطن.

.. المخبز المتوسط عليه أن ينتج ما بين 15000 إلى 18000 رغيف من الخبز يوميًا، أو ما يساوى 22 إلى 24 كيسًا من الدقيق يوميا

.. قديماً كان لدى مصر الفرعونية ما يقرب من خمسة عشر نوعًا من الخبز، وتحصي الدراسات الانثربولوجية، اليوم ما يربو على 16 نوعا من الخبز موزعين بحسب المناطق الجغرافية المختلفة فى بقاع مصر.

.. جولة على جدران المعابد القديمة قد تكون كافية كي ندرك الأهمية الكبيرة للخبز في حياة المصريين القدماء وكقرابين للتقرب من الآلهة، ولم يكن الخبز فقط جزءًا لا يتجزأ من النظام الغذائي للمصرى القديم لكنه شكل أيضا زادا يحمله معه فى مقبرته حيث يحتاجه فى الحياة الأبدية

طوال أزمة كورونا، كان صناع الخبز جنودا مجهولين عملوا خلف الكواليس بدأب حتى يكون الرغيف في موعده على مائدة الأسرة المصرية، ومنذ ظهور أول حالة مصابة بالفيروس فى شهر فبراير من العام الماضى، لم تتوقف عجلة الإنتاج ليوم واحد فى خضم كل الظروف، نحاول الإقتراب من هؤلاء الأبطال الذين عملوا في الظل فى ٢٨ ألف مخبز تقوم بتوفير ما بين ٢٥٠-٢٧٠ مليون رغيف يوميا.

" أعط العيش لخبازه ولو أكل نصفه " ربما يعكس هذا المثل الشعبي الذى يتداوله العامة في الحياة اليومية أن لكل مهنة أسرارها .. تحدياتها…خبراتها، هنا فى هذا الفرن البلدى أو "الطابونة " كما كان يطلق عليها المصريون قديما، يبدأ العمل مع تسلل خيوط الفجر الفضية. وسط غبار الدقيق، وعلى مساحة لا تتجاوز المائة متر مربع، تسير عجلة العمل دون توقف.

فى أصعب الظروف لابد وأن يستمر الإنتاج
أمام خلاط كبير يسارع عاملان لإفراغ كيس طحين وزنه ١٠٠ كجم حيث تبدأ مرحلة العجن في تمام الساعة الرابعة قبل أن يؤذن لفجر يوم جديد، يسكب الماء شيئًا فشيئًا ثم يترك العجين ليرتفع، لا داعي للعجلة فكل مرحلة لابد وأن تتم فى وقتها، وربما يكون هذا هو سر عملية كل تخمر للدقيق تتم فى الخلاط الكبير، إنها دورة مثل الشمس، بمجرد ظهورها تعيد تكوين العالم من جديد، يمثل الخبز المتخمرالصاعد بداية جديدة ووعدًا و دليلا على استمرار الحياة، فكل خطوة من خطوات انتاج الخبز، يجب أن تأخذ وقتها رغم الظروف الصعبة التي يفرضها وباء كورونا والتى استدعت في بعض الأوقات فرض حظر التجول، بعد العجن تأتي مرحلة "التقريص" حيث يقوم أحد أمهر العمالة بالمخبز بتقطيع وتشكيل العجين للحصول على قطع مستديرة قبل وضعها في صواني خشبية كبيرة حيث لابد من انتاج حوالي ٢٩٠٠ رغيفا في غضون ساعة من الزمن.


"خلال هذه الخطوة يتشكل الخليط السري الذي يعطي الخبز البلدي مذاقه الخاص وكذلك حجمه ووزنه المقرر من قبل وزارة التموين. لابد أن يبلغ وزن الرغيف الذي فرضته وزارة التموين منذ 19 أغسطس الماضي 90 جرامًا.

وبحسبة رياضية بسيطة ندرك أن كل كيس دقيق بإضافاته يجب أن يوفر 1450 رغيف خبز ، مع مراعاة تكلفة الدقيق والنقل ، من أجل زيادة عدد المستفيدين من الدعم " على حد تعبير طارق، خباز، 38 عاما والذى تساعده خبرته الطويلة في الصنعة أن يقوم بعملية التقريص وفقا للوزن المطلوب، تبدو راحة يده كميزان دقيق يقوم بتقطيع العجين بشكل آلي و منضبط وبالوزن المطلوب بينما يهرول صنايعي ثاني "الطاولجي" متنقلا في المكان بخفة ورشاقة رغم أنه يحمل على ساعده طاولتين يصل وزنهما فوق الـ ٣٠ كج، ليضعهما بدوره أمام الفران الذى يقوم هو الآخر بوضع بعض اللمسات الأخيرة ثم يلقى أرغفة الخبز بالتتابع في الفرن الدوار، وتتكرر عملية الإنتاج من جديد بشكل سريع ومكثف دون توقف طوال اليوم فى الشتاء القارص أو فى ظل حرارة الصيف الخانقة والتي قد تتعدى الأربعين درجة فى أحيانا كثيرة بخلاف الحرارة المنبعثة من الفرن أيضاً.


هذه الفرق القابعة فى كل مخابز القاهرة والمحافظات والقرى يشكلون فى الواقع أبطالا حقيقيين يعملون دائما فى صمت حتى فى ظل أزمة وباء كورونا التي ضربت البلاد والعالم منذ فبراير عام ٢٠٢٠، وربما لم يلاحظ أحد الدور المتفانى لهؤلاء الواقفون فى الظل، لكن إنتاج الخبز لم يتوقف يومًا واحدًا منذ ظهور أول حالة إصابة بالفيروس الجديد.


فمن المؤكد أن الخبز هو العنصر الأساسي في الوجبات الثلاث لشريحة كبيرة من الشعب المصري، وبحسب أرقام وزارة التموين، يقدر عدد الأفران والمخابز التي تبيع الخبز المدعوم من الدولة بنحو 28 ألفًا تنتج ما بين ٢٥٠ إلى ٢٧٠ مليون رغيف خبز يوميًا لنحو ٧٠ مليون مواطن (أي 20 مليون بطاقة تموينية). و يبلغ سعر رغيف الخبز المدعوم 0.05 جنيه مصري "خمسة قروش" وبموجب برنامج الدعم يحق لكل شخص الحصول على خمسة أرغفة يوميا.


بحسب عبد الله غراب، رئيس شعبة المخابز في الغرفة التجارية، يعمل في هذا القطاع حوالي ٣٠٠ ألف شخص، يمثل القطاع العام ٣٪ من هذه الصناعة بينما يستحوذ القطاع الخاص على ٩٧٪ من إنتاج الخبز.

"الحلو" ده قام يعجن في الفجرية
يستيقظ عم خالد، الرجل الخمسيني حوالي الساعة الرابعة صباحًا كي يلحق بعمله فى الوقت المحدد، يقطن الخباز المخضرم، في قرية بمحافظة القليوبية، لذا كان عليه أن يأخذ ثلاث وسائل مواصلات ليكون في المخبز فى تمام الساعة ٦ صباحًا لبداية مرحلة عجن الخبز، هنا في واحد من أكبر مراكز صنع الخبز بمدينة نصر، إحدى أكبر أحياء القاهرة يبدو المخبز كخلية نحل حقيقية، بالرغم من المجهود الشاق الذى لابد وأن يبذله عم خالد فى وسائل النقل، لابد وأن يكون في كامل طاقته فهناك يوم طويل من العمل فى انتظاره، وربما لا يعتبر عم خالد حالة استثنائية، فهناك زميل آخر له يقطن في محافظة الغربية، يركب القطار يوميا حتى يصل للمخبز فى نفس المكان باكرا.
يقول عم خالد :"لقد واجهنا بعض الصعوبات خلال فترة حظر التجول، نظرًا لأننا نعيش بعيدًا عن المخبز، فكان من الصعب العثور على وسائل النقل اللازمة للعودة إلى منازلنا، كان علينا أيضًا الحصول على إذن للسير في الشارع خلال ساعات حظر التجوال "هكذا يمضي عم خالد الذى يعمل يوميا من السادسة صباحا حتى الرابعة عصرا بل و أحيانا قد تصل ساعات العمل لأكثر من 12 ساعة يوميا، يبدو سيد ستيني العمر أيضا، على نفس الموجة.

يضيف :" لقد عملنا فى ظروف بالغة الصعوبة أحيانا.. خلال الثورتين وفي ظل بعض الأوقات التى وصلت إلى حالة الإنفلات الأمنى، لم نتوقف عن العمل يوما واحدا، إذ كان علينا أن ننتج ما بين 15000 إلى 18000 رغيفا من الخبز يوميًا ، أو ما يساوى 22 إلى 24 كيسًا من الدقيق يوميا، نحن نحمل على عاتقنا مسئولية توفير الغذاء لقطاع عريض من المصريين، فنحن أصحاب رسالة وعلينا واجب نعتبره مقدس، وأتشرف جدا أن أكون واحد من هؤلاء الخبازين، الجنود المجهولة الذين قاموا برسالتهم بشرف شأنهم شأن الطواقم الطبية خلال أزمة "كورونا" هكذا يمضي صانع الخبز العجوز الذى يؤكد أن يوم العطلة هو يوم واحد فقط في الأسبوع و هو غير ثابت لكنه يتوقف على ظروف العمل والإنتاج.

وربما كان المصريون هم الشعب الوحيد في العالم الذين استخدموا كلمة "العيش" للإشارة إلى الخبز، في إشارة واضحة إلى قوام الحياة تمامًا مثل أسلافنا، الفراعنة الذين استخدموا كلمة عنخ، والتي تعني الحياة.

فجولة واحدة على على جدران المعابد القديمة قد تكون كافية كي ندرك الأهمية الكبيرة للخبز في حياة المصريين القدماء وكقرابين للتقرب من الآلهة، ولم يكن الخبز فقط جزءًا لا يتجزأ من النظام الغذائي للمصرى القديم لكنه شكل أيضا زادا يحمله معه فى مقبرته حيث يحتاجه فى الحياة الأبدية، وقد كان للخبز قديما قدسية ومكانة خاصة لدرجة أن الأرغفة كانت تخبز دائمًا على شكل دائري مثل الشمس ومازالت حتى الآن بعض النساء في صعيد مصر تقوم برسم خط دائري على الخبز، و هو إعتقاد فرعوني قديم يمثل الإله رع متوجا بالقرص الشمسي.

ووفقا لموقع "ايجيبشيان جيوجرافيك"، كان لدى مصر القديمة ما يقرب من خمسة عشر نوعًا من الخبز. وتحصي الدراسات الانثربولوجية، اليوم ما يربو على 16 نوعا من الخبز موزعين بحسب المناطق الجغرافية المختلفة فى بقاع مصر.

وإذا كان رغيف الخبز البلدى هو غذاء أهل المدن، فما زال الخبز الفلاحي الذى يتم تحضيره من دقيق الذرة يتربع على مائدة أهل قرى الوجه البحرى. بينما يؤكل الخبز الشمسي (الذي يترك ليختمر في الشمس) في صعيد مصر فى حين يصنع سكان الوادي الجديد خبز الشعير، أما الخنريت ففي أسوان والكبد في توشكا، الصاج بشمال سيناء، والدمبيرت بالبحر الأحمر وحلايب والمجردق بمطروح.

وإذا كان الكل يغني على ليلاه ويأكل خبزه كما يشتهي، يظل رغيف الخبر البلدى ملكا متوجا على مائدة الأسرة المصرية قادر على عبور حواجز المكان والعادات والموروث الثقافي، إذ يشكل الرغيف البلدى سلعة حيوية موجودة ومصاحبة لكل وجبات المصريين.

لكن كيف أثرت أزمة فيروس كورونا على هذه الصناعة؟ سؤال مهم يمثل أحد أهم التحديات التي واجهت المهنة في ظل هذا الوباء العالمي، لذلك كانت هناك حالة من الاستنفار.. اليقظة .. والحرص الشديد تهيمن على العاملين في المخابز فى الآونة الأخيرة، فهم قد يكونون من أكثر الفئات تعرضا لعدوى فيروس كورونا نظرا لتعاملهم بشكل يومي مكثف مع الجمهور، يبذل العامل عمر، البالغ من العمر 25 عامًا جهودًا كبيرة لتنظيم الدور وإدارة توزيع الخبر على الأشخاص الذين يصطفون خارج المخبز، فيطلب منهم ضرورة إرتداء الكمامات ومراعاة التباعد الإجتماعي، مهمة قد لا تكون دائما يسيرة سيما وأن الجمهور قد لا يكون دائما طيعا لتلك التعليمات وليس على استعداد للتعاون معه.

يقول عمر : "أعمل في أحد الأفران العامة التي تستقبل كثير من الزبائن، أعتقد أننى أقوم بمغامرة يومية غير مأمونة العواقب، بتلقي النقود من الزبائن وبطاقات التموين التي قد تحمل معها العدوى بالفيروس، فنحن نعمل فى مساحة لا تتعد الـ100 متر مربع بينما يتكالب على الخبز عشرات الأفراد في وقت واحد وكل منهم يريد أن يحصل على نصيبه دون انتظار، فأحرص على ارتداء القفازات وأكاد لا أترك الكحول من يدى وأقوم بتنظيف وتطهير الفرن عدة مرات في اليوم الواحد، هكذا يمضي عمر، بينما فى مكان آخر، يؤكد محمود الذى يقوم بنفس المهمة لكن في فرن أكثر رحابة- تصل مساحته لأ كثر من 400 متر مربع -بأنه لا يسمح بالدخول الا لعشرة أفراد فقط فى آن واحد. ويحاول تطبيق الإجراءات الصحية التي تفرضها وزارة التموين بما في ذلك تطهير المكان يوميًا بالكلور وتزويد العمال بأقنعة مرتين كل شهر.

يقول سيد، 37 عامًا ، صاحب مخبز : قلة وعي المواطنين أحيانا بخطر الوباء يقلقه كثيرًا هذه الأيام على الرغم من أن الناس يسمعون عن انتشار الفيروس ويرون أن الأعداد قد زادت خلال فصل الشتاء، إلا أنهم يواصلون اقتحام المخابز وبنفس الطريقة كما كان الحال قبل هذه الأزمة الصحية، بالرغم من وضعنا لافتة تشير إلى ضرورة المحافظة على التدابير الوقائية والتباعد الاجتماعي. وكل يوم نكرر التحذيرات للناس مما يتطلب منا عملاً إضافيًا،بل و يصبح الوضع أكثر تعقيدًا عندما تنتشر شائعة مفادها أن الدولة قد تفرض حظر تجول".

لا يقتصر الأمر على ذلك، لكن قد تفرض هذه الظروف على الخبازين مزيد من القيود فهذا الاحتكاك المباشر مع الجمهور يُلزمهم أيضًا إتخاذ تدابير الحماية الصحية عند عودتهم إلى المنزل بعد العمل، من أجل الحفاظ على صحة أسرهم، " بمجرد وصولي إلى البيت، أذهب مباشرة كي أستحم وأغسل ملابسي لأنني في المخبز أستقبل مئات الزبائن، بعضهم يرتدي أقنعة والبعض الآخر لا.

يصمت وكأنه يفكر فيما سيقوله: نحاول حماية أنفسنا من الفيروس، لأن الاعتناء بصحتنا بالنسبة لنا يعني "العيش"، فنحن نعمل في وظيفة تتطلب الكثير من الجهد والطاقة، تجنب الإصابة بالمرض، ليس فقط من أجل لقمة العيش، ولكنه أيضًا واجب وطني، إذ تقع على عاتقنا مسؤولية إطعام العديد من العائلات الفقيرة التي ليس لديها دائمًا ما يكفيها من الطعام ويعد رغيف الخبز بالنسبة لها واحدة من أهم الحاجات الأساسية اليومية في الوقت الراهن.

يسترسل سيد فى حديثه موجها دعوة للمسئولين بضرورة رفع أجور العاملين في المخابز على غرار العاملين فى الأطقم الطبية، فيقول إن العاملين بالمخابز معرضين بصورة كبيرة لخطر الإصابة بهذا الفيروس، جولة واحدة في أروقة المخابز تكفى كي يدرك الجمهور مدى الجهد لذى نبذله كل يوم دون توقف.

كل خطوة فى العمل تتطلب الكثير من الجهد، من يتولون تقريص الخبز مثلا عليهم أن يقوموا بتقطيع ثمانية عشر ألف رغيف يوميا، أما الطاولجي الذى ينقل طاولات الخبز فقد يكون عليه أن ينجز الف نقلة لعدد 2 طاولة تزن الواحدة أكثر من 15 كج إذ تحتوي كل واحدة على 18 رغيف خبز بالإضافة إلى 2 كجم من النخالة "الردة" (يتم الحصول عليها بعد فصل الدقيق عن طريق الغربلة) لمنع الأرغفة من الالتصاق، فلك أن تخيل إذن كل الجهد المبذول دون كلل أو توقف. فالعامل القابع أمام الفرن، معرض لخطر الإصابة بالمرض لأنه إذا وصلت درجة حرارة الفرن إلى 90 درجة، فإن العمل في فصل الصيف فى درجة حرارة قد تزيد عن 40 درجة وعليه فإن لبس قناع على الوجه قد يصبح أمرا غير محتمل فى تلك الأجواء الصعبة جدا، أما في فصل الشتاء، فقد يؤدي التغير الكبير فى درجة الحرارة بين داخل المخبز والخارج إلى تعريضنا لأمراض الرئة، وهى مشكلة لابد من تجنبها خلال فترة الوباء، طبقا لنفس المصدر.

ورغم التحديات التي تواجه صانعى الخبز، لكن يبقي هذا العمل هو مصدر رزقهم الوحيد أو كما نقول بلغة الحياة الدارجة " أكل عيشهم". ربما... لكن رغيف العيش لم يرتبط فقط بالحياة والتكسب لكنه كان دائما فى الوعى الجمعى للمواطن المصرى مغلف بقدسية ما، فلابد من إبراز الإحترام للقمة العيش التي تعد من أهم النعم التي يقسم بها المصريون و"العيش و الملح " كدلالة على العشرة الطيبة بين طبقات وأفراد المجتمع، فالعيش لا يلقي على الأرض حتى لا تطأه الأقدام وإن ارتكبت ذلك على سبيل الخطأ، سيكون التصرف التلقائي هو الإستغفار وإزالة النعمة من طريق المارة كي لا تهان فتزول حسب معتقدات معظم المصريين، بل ربما تكون الثقافة الفرعونية قد إمتزجت وامتزجت بالثقافة العربية، فما زالت عملية الخبيز نفسها تكتسى بهذه القدسية، فالنساء في الريف حتى يومنا هذا لا تخبزن أبدًا إلا وهن طاهرات تماما وكأنهن يتجهزن للصلاة.

و بين الموروث الشعبي للخبز وأهميته على موائد المصريين، تتجاوز صناعة الخبز مجرد كونه نشاط إقتصادى كسائر السلع الأخرى، فرغيف الخبز يعتبر أمنًا قوميًا للشعب المصري، ففى أيام الصيف والشتاء، في أوقات السلم أو الحرب، في فترات الأزمات أو الازدهار، يجب على جميع الخبازين الاستمرار في العمل على الرغم من المخاطر التي قد يتعرضون لها. قد يختفون خلف الكواليس لكن يظل حضورهم واضح داخل كل البيوت المصرية وعلى موائدهم في الوجبات الثلاث يوميا.

إرسل لصديق

ads

تصويت

ما هي توقعاتك لقرار البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة

ما هي توقعاتك لقرار البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر