تحقيقات
متى يتحقق «التوكل الصحيح على الله»؟
الأحد 07/فبراير/2021 - 11:52 م
طباعة
ta7ya-masr.com/390528
تفويض الأمر إلى الله تعالي، والتوكل عليه مطلوب فى كل أمر لقوله تعالي: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقوله أيضا ( وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) وهو لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب فقد ورد أن جعفر الصادق قال: أعجب لمن مكر الناس به، ولم يفزع لقول الله تعالى : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) فهذا الإمام الشافعى كان جالسا وسط تلاميذه وفجأة دخلت عليه جارية تتطاول عليه وتقول يا إمام.. أمتغافل بالليل.. وخطيب بالنهار؟ وفوجئ التلاميذ بهذا الكلام وانتظروا رد الشافعى الذى نظرلها وقال بهدوء كم حسابك وتذهبين؟ فثار التلاميذ وطالبوا الشافعى بردّ التهمة عنه.
فى تلك الأثناء من حضر يخبر الجارية بأن بيتها يحترق وفيه أطفالها فانطلقت الجارية وخلفها الشافعى وأنقذ الأطفال ولما رأت الجارية مروءة الشافعى وحبه للخير قالت سأعترف لك يا إمام ـ اليهود سلطوني عليك لأفعل هذا حتى تهتز صورتك وسط تلاميذك وتساءل التلاميذ لماذ لم يرد الإمام التهمة عنه فقال بثقة: لو كنت نفيت التهمة لانقسمتم إلى فريقين فريق لن يصدقنى ويستمر في تكذيبي.. وفريق يصدقني ولكن يشك فى صدقي… فأخذت أردد: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).. حتى كشف ربى عنى ما أنا فيه من ظلم.
وحول فضل تفويض الأمور إلى الله وكيفية ذلك، يرى الشيخ محمد فايد من علماء وزارة الأوقاف أن تفويض الأمر لله واجب فكل ما فى الكون يسير بقضاء الله جل وعلا وقدره؛ لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه. فإذا علم المؤمن ذلك فوض أمره لله ولم ييأس من رحمة ربه مهما ضاقت السبل وتقطعت الأسباب فإنه لا ييأس من رحمة ربه إلا الضالون؛ وقال جل شأنه: (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون). ولكن كيف يكون التفويض لله؟ يكون بالأخذ بالأسباب المشروعة. فإن عدم الأخذ بالأسباب ينافى التوكل والتفويض؛ بل إن هذا يعد من باب التواكل لا التوكل. فتفويض الأمر لله أن يعتقد العبد أن الأمور كلها آتية من الله وراجعة إليه سبحانه. فإنه إن فعل ذلك أتاه الفرج من ربه عاجلا غير آجل. فهذا مؤمن آل فرعون لما نصح قومه وأكثر عليهم من النصح أنذرهم قائلا: (فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد) حينئذ جاءت نتيجة التفويض مباشرة (فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب) لم يتأخر نصر الله له لأنه فوض أمره إليه. فخرج من حوله وقوته إلى حول الله وقوته.
وأوضح أن التفويض له دوافع كى يتحقق؛ من أهمها:
1ـ أن الأمور كلها بيد الله جل وعلا وأن قضاء الله كله خير.
2ـ العلم بعظمة الله جل وعلا ومعرفة أسمائه وصفاته والتفكر فيها.
3ـ أن يعلم العبد بأنه عندما يفوض الأمر إلى ربه فإنه يأتى بعبادة عظيمة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأتى بها فكان من جملة دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم أسلمت وجهى إليك وفوضت أمرى إليك........)
4ـ أن يعلم العبد بأنه إن توكل على ربه كان الله حسبه وكافيه (ومن يتوكل على الله فهو حسبه).
5ـ أن يعلم العبد بأن التفويض من شيم الأنبياء والمرسلين والصالحين.. حينئذ يتخلق بأخلاقهم ويتصف بصفاتهم.
وقال إن التفويض له أثر ونتيجة تظهر للعبد؛ فمن ذلك:
1ـ نصرة الله وتأييده وتوفيقه كما حدث مع مؤمن آل فرعون
2ـ اندفاع المكروه عن العبد ودفع الضر عنه. كما الحال مع إبراهيم عليه السلام لما ألقاه قومه فى النار فقال حسبى الله ونعم الوكيل فجعل الله تعالى النار بردا وسلاما عليه. وكذلك قالها الصحابة رضوان الله عليهم فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء.
3 ـ زيادة إيمان العبد بربه وثقته بربه.
ويضيف الشيخ زكريا السوهاجى مفتش بالأوقاف، أن التوكل على الحى القيوم عمل جليل لا يستغنى عنه العبد فى سائر أحواله، وقل من الخلق من يفقه هذا الباب ويعتنى به. والدين مبناه على التوكل: لقول سعيد بن جبير رحمه الله: «التوكل على الله نصف الإيمان». والتوكل عمل قلبى ليس من أعمال الجوارح قال الإمام أحمد رحمه الله: «التوكل عمل القلب».
وقال لقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين بالتوكل فقال: "وتوكل على العزيز الرحيم الذى يراك حين تقوم وتقلبك فى الساجدين إنه هو السميع العليم" وقال تعالى أيضا : "ومن يتوكل على الله فهو حسبه} فالمؤمن لا ييأس من رحمة الله وفرجه مهما ضاقت عليه السبل وتقطعت به الأسباب، قال تعالي: (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ) وقوله تعالى : (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )، فكيف ييأس من يعبد ربا كريما رحيما قديرا، واسع العطاء، يغضب على من لم يسأله، بيده خزائن كل شيء، قال تعالي: ( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم )، كيف يقنط المؤمن وهو يعلم أن كل شيء بقضاء وقدر، قال تعالي: ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) وأنه لا يقضى قضاء إلا كان خيراً له، ففى الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبت من قضاء الله للمؤمن إن أمر المؤمن كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له» فينبغى على المؤمن أن يحسن التوكل على الله فى حله وترحاله، فى خوفه وأمنه، فى فقرهِ وغناه، فى صحته وسقمه، فى خلوته وجلوته، فى طاعتهِ وعبادته ونسكه وجهاده، وأن يكون حسنَ الظن بالله، مستوثقاً بالله، يائساً مما فى أيدى الخلق، بل ثقته بالله أعظم بما فى يده من الأسباب موقناً تمام اليقين أن ما كتب له من أَجل ورزق وسعادة وشقاوة وسرور وغم ويسر وضر؛ واقع عليه لا محالة، وليتدبر كتاب الله، وليستعن بالصبر والصلاة، والدعاء مع الإلحاح، والمحافظة على الأذكار الصحيحة التى تفرج الهم والكرب، والثقة فى الله، وليعلم بأنه عند اشتداد ظلمة الليل يأتى الفجر بنوره، وعندئذ يفرح المؤمن بفرج الله، وعسى أن يكون قريبا.
وقال إن هناك أمورا كثيرة إن قام بها العبد المسلم تحقق لديهِ التوكل على اللهِ سبحانه منها: البعد عن الذنوب والمعاصى التى تغضب الله عز وجل فإقدام العبد على فعل معصيةٍ ينافى مفهوم التوكل على الله سبحانه. قال تعالي: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب). يتحقق التوكل على الله بإيمانِ العبد بأن ما كتب الله سبحانه نافذ، وما قدّره الله له كائن، وإن بدت الأمور بعكس ما يريد العبد فعليه الإيمان بأنَّ الله سبحانه قد اختارَ له الأفضل. قال تعالي: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون). تحقيق التوكل لدى العبد لا ينافى السعى والأخذ بالأسباب، التى قدَّر الله عزّ وجل المقدورات بها، وجرت سنة الله فى خلقهِ بذلك، فالله سبحانه وتعالى أمر العبد بالأخذ بالأسباب، كما أمرهُ بالتوكلِ عليه سبحانه، فالسعى فى الأسباب يكون بالجوارحِ طاعة له، والتوكل على الله يكون بالقلبِ إيماناً بهِ سبحانه، قال الله تعالي:(يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم). يتحقق التوكل بمعرفةِ المسلم أن بتوكله هذا ينال رضا الله سبحانه ومحبته، قال تعالي: (ان الله يحب المتوكلين)، ويجازى المتوكل بالجنة، والتى هى أسمى أمانى المؤمن، قال تعالي: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون). يتحقق التوكل بشعور العبد بضعفه، وفقره، وحاجته لله سبحانه وتعالي، فمهما يبلغ من أسباب القوة يظل ضعيفاً، ويحتاج إعانة الله له فى أمور حياته، وفى التغلب على مصائبهِ، وكروبه، قال تعالي: (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا). ومن الأدعية المأثورة فى التوكل : «اللهم لا تكلنى إلى نفسى طرفة عين، ولا أقل من ذلك».
