جريدة تحيا مصر

اخر الأخبار
ads
محمد عبدالجواد

محمد عبدالجواد

الصحافة المصرية بين «الموت السريرى» و«الافلاس» !!

السبت 14/مايو/2016 - 09:30 م
طباعة
فى أواخر عام 2010 جمعتنى جلسة خاصة مع أستاذى الكبير المعلم أنور الهوارى بمقر مجلة الاهرام الاقتصادى التى كان يشغل منصب رئيس تحريرها فى هذا الوقت وسألته سؤالا مباشر وهو (( كيف ترى مستقبل الصحافة الورقية فى مصر ؟)) وكانت هوجة المواقع الالكترونية قد بدأت فى الظهور على الساحة الاعلامية بكثرة فكان رده (( الصحافة الورقية يا محمد مثل البيت .. والالكترونية مثل القهوة فهل رأيت أحدا يترك بيته ويعيش عمره كله فى القهوة )) .

ورغم أن الاجابة بالنسبة لى لم تكن مقنعة الا اننى تقبلتها انتظارا لما تسفر عنه الأوضاع التى تمر بها مصر خصوصا مع ارهاصات هوجة 25 يناير التى صاحبها ارتفاع كبير فى توزيع الصحف الخاصة والمستقلة التى كانت تساند الجماهير المحتشدة فى الميادين وتراجعت الصحافة القومية كثيرا بسبب راهنها على استعادة السيطرة على الأمور واستعادة نظام مبارك لقوته من جديد حيث آثرت الصحف القومية عدم المغامرة حتى لا يخسر أصحاب المناصب القائمين على أمورها مكانتهم لدى النظام حال فشل الاحتجاجات واستعادة السيطرة على زمام الأمور .

الآن وبعد مرور أكثر من 5 سنوات أُعيد طرح السؤال من جديد وسأتولى الاجابة عليه بنفسى .. الصحافة الورقية باتت فى خطر كبير لأن انتشار المواقع الالكترونية أدى إلى تراجع التوزيع وأثر على حجم المبيعات وكذلك حجم الاعلانات وباتت الكثير من الصحف تعانى الأمرين فى تدبير مرتبات العاملين بها شهريا والبعض يدفع المرتب على دفعتين وقد يتأخر صرف الرواتب عن مواعيده المعتادة.

وبالتالى أتوقع أن يختفى عدد كبير من الصحف ويحتجب عن الصدور خلال السنوات الخمس المقبلة وقد تتحول إلى مواقع الكترونية ولكنها ستبقى تعانى اقتصاديا بسبب ضعف العائد من الإعلانات .

واذا أرادت هذه الصحف أن تقاوم لبعض الوقت فعليها تقديم منتج جديد بعيدا عن المادة الخبرية لأن التكنولوجيا المتطورة على الهواتف الذكية والأى باد والتابلت والصحافة الالكترونية بات تحرق غالبية الاخبار وأصبحت عدوا شرسا للصحافة الورقية وسيكون لزاما على الصحف الورقية أن تهتم بصحافة المواطن وليس متابعة أخبار الدولة وتتعمق فى صياغة وإعداد التحقيقات والملفات الصحفية المميزة بعيدا عن صحافة الوجبات السريعة التى تقدمها الصحافة الالكترونية ..

وعلى الصحافة الورقية أن تستبدل الخبر بالقصة الخبرية إن أرادت أن تسعى لإطالة عمرها بالسوق والتركيز على الصورة الصحفية المميزة وليست الصور الكلاسيكية الخاصة بالمقابلات واللقاءات الروتينية والاهتمام بالعنصر البشرى المتواجد لديها لتدريبه بشكل فعال على صياغة التحقيقات الاستقصائية التى تتابع المشاكل الجماهيرية وتطرح الحلول العاجلة لها بحيث تكون حلولا قابلة للتنفيذ .

وسيتعين على الصحافة الورقية أن تعتمد على أساليب جديدة للكتابة وصياغة المواد الصحفية بطريقة شيقة تقنع القارئ بعيدا عن الشكل النمطى (( قال .. أكد .. أشار .. أضاف .. لفت .. وجه )) وهذا الأمر لن يتأتى بسهولة ويحتاج إلى كورسات ودورات تدريبية مكثفة لتنمية مهارة شباب الصحفيين وجيل الوسط منهم أم جيل الكبار والرواد فلا أمل فيه لأنه أدمن الشغل النمطى من الصحافة إلا القليل جدا منهم المنفتح والمطلع على الصحافة الأجنبية .

أما الصحافة الالكترونية فأمامها مجموعة كبيرة من التحديات لعل أهمها ضرورة التدقيق فى مصداقية ما تبثه من أخبار وموضوعات وهذا لن يتأتى إلا من خلال تدريب شباب الصحفيين العاملين بها على هذا الأمر لأنه من غير المقبول أن يتسرع موقع بنشر أخبار كاذبة بحجة السبق الصحفى وعندما يكتشف كذبها يتم حذفها من على الموقع أو استبدالها أو نشر نفى للخبر فهذا الأمر قد يحرق مصداقية الموقع ورصيده لدى القراء والمتابعين .

وعلى المواقع الالكترونية السعى الجاد لتجويد المنتج الصحفى الذى يقدمونه وحسن انتقاء العناصر الشابة التى تمارس العمل الصحفى ومنح مهلة لبعض العاملين الذين لا يطورون مهاراتهم لتحسين امكانياتهم وإن لم ينجحوا فى ذلك يكون من الأفضل التخلص منهم والاستعانة بعناصر جديدة .. لأن قوة الموقع الالكترونى لا تقاس بعدد العاملين فيه أو بعدد الاخبار التى ينشرها يوميا ولكنها تقاس بالمصداقية والقبول من القراء ومدى التأثير فى تشكيل وعى المتابعين للموقع ..

لقد بات من المؤكد أن المواقع الالكترونية التى تلجأ إلى نشر الأخبار المثيرة سواء فى شكل جرائم جنسية او زنا محارم أو جرائم القتل المتعلقة بالشرف بخلاف اللجوء إلى نشر فيديوهات بها نوع من الاثارة الجنسية او حتى الأخبار التى تثير قضايا خلافية فى الدين أصبحت عديمة التأثير وكشفها القارئ بسرعة وأصبح يتردد عليها فى الغالب من يبحثون عن مثل هذه النوعية من الأخبار لاشباع رغباتهم وغرائزهم .

ويتعين على المواقع الالكترونية توجيه الصحفيين لحسن اختيار المصادر التى تتحدث فى الموضوعات والقضايا الهامة بحيث يكون المصدر على علم واطلاع بالقضية التى تتم مناقشتها فى ظل هوجة الخبراء الذين ظهروا على السطح بلا مبرر يتحدثون فى أى قضية تحت مسمى خبير لغة جسد وخبير مسرح جريمة وخبير اتيكيت وخبير حرائق وهؤلاء الخبراء لا يملكون سوى معلومات ضحلة لا تضيف جديدا للموضوع وكأن الصحفى يتعامل معهم من أجل الانتهاء من كتابة موضوع فقط ونشره بغض النظر عن جودته .

لقد حانت لحظة المصارحة والمكاشفة فإذا لم تنجح الصحافة الورقية فى تطوير نفسها والتمرد على القوالب النمطية التى تسير عليها منذ عشرات السنين فى مصر فإن عمرها بات قصيرا وقصيرا جدا ولن تنجح فى البقاء على قيد الحياة بل يمكن القول انها من الآن تعيش على أجهزة التنفس وقد تدخل مرحلة الموت السريرى خلال عامين على الأكثر .

نفس الأمر بالنسبة للصحافة الالكترونية التى إذا استمرت فى ترك العنان للمحررين للعمل وفقا لأهوائهم دون الالتزام بالقواعد المهنية وإجبارهم على الالتزام بها فأنها هى الأخرى قد تجد نفسها فى موقف لا تحسد عليه وسيكون من الصعب عليها مواصلة المشوار وسيتكبد أصحاب المواقع خسائر فادحة قد تدفعهم إلى وقف الموقع أو التخلص من عدد كبير من الصحفيين وخصوصا أصحاب الرواتب الكبيرة تقليصا للنفقات .

النقطة الأخيرة والتى تعد بمثابة جرس أنذار فهى ضرورة إعادة النظر فى الرواتب التى يحصل عليها الصحفيون سواء فى الصحف الورقية أو المواقع الالكترونية والعمل بشكل عاجل وسريع على تقليص الفجوة بين أجور الصحفيين داخل نفس المؤسسة لأنه ليس من العقل فى شئ أن تصل رواتب بعض العاملين فى المؤسسات إلى 4 أو 5 أضعاف رواتب أقرانهم فى نفس المؤسسة رغم أن أصحاب الرواتب المتدنية قد يكونوا هم الأكثر عملا وانتاجا ولكن أصحاب الرواتب الكبيرة يكون لديهم مهارات خاصة فى النفاق والتملق والانبطاح والوشاية وتدبير المكائد والمؤامرات لزملائهم ..

لذا بات من الضرورى أن تتم مراجعة مستويات الرواتب لأن شعور العاملين فى نفس المكان بالفروق الأخيرة فى الأجور يدفع أصحاب الدخول المتدنية إلى الإحباط والحضور للعمل من أجل قضاء عدد الساعات المتفق عليها دون تقديم انتاج متميز بل يكون العمل روتينيا من منطلق قاعدة على (( قد فلوسهم)) ..

إرسل لصديق

ads

تصويت

ما هي توقعاتك لقرار البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة

ما هي توقعاتك لقرار البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة

الأكثر قراءة

المزيد

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر