جريدة تحيا مصر

اخر الأخبار
ads
سالم الحافى

سالم الحافى

باقة ورد

السبت 10/سبتمبر/2016 - 04:27 م
طباعة
مذكرات حاج

ما إن وصلت إليها حتى ابتسمت لى ابتسامة متوضئة كصلاة الصبح ، غسلتني من درن المدن ، أخذتني إلى هناك ، حيث رياض الجنة ، والمبشرين بها ، وطلع البدر علينا ، ..المدينة المنورة سكنتني منذ أن كحلت عيني برؤية المسجد النبوي ، تمنيت ألا أغادرها ولاتغادرني ، أحسست أنها أمي ، وعندما هممت أغادرها شعرت باليتم ، لاأعلم لماذا انتابني هذا الشعور ومازال، وأكاد أسمع قلبي كل لحظة يرجوني أن أعود إليها ، ربما لأنه استعاد فيها فطرته ، وربما لأن بقية من سمت الأنصار مازالت تسكنها . لكن الأكيد أن يثرب حلت بها بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وصلت مكة المكرمة ، وما إن رأيت بعض الحجيج يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ، وينامون في الإنفاق ، وفي المسجد الحرام ، حتى قلت صدق رسول الله عندما قال " وحج البيت من استطاع إليه سبيلا " .. فالحج ركن من أركان الاسلام ، لكن بشرط الاستطاعة المالية والصحية ، وتساءلت نفسي : هل الاستطاعة تعني أن تسافر للسعودية بطريقة أو بأخرى أو تدبر بالكاد نفقات السفر ثم تنام في الشوارع ؟ وهل مصلحة الأمة الاسلامية وسلامة الحجيج وتوفير الجو الروحاني لهم يتفق مع هذه الأعداد الهائلة التى تضيق بها أماكن أداء المناسك ؟

في الطواف ، رأيت العالم كله ينطق بلسان عربي مبين ، أناس جاءوا من حول البحر الأبيض والأسود والأحمر ، من شطآن الأطلسي والهادي ، جاءوا من كل شبر يطلع عليه ضوء الشمس ، أو تحل عليه هدأة الليل ، جاءوا من بلدان تنطق بمئات اللغات لكن الطواف وحّد لغتهم ، الابتهال لله جعل العربية هي اللغة الرسمية حول الكعبة المشرفة ، أى تشريف بعد هذا للعربية ، وأى تقصير منا تجاهها لايغتفر .

سألني ونحن في مِنى ، ما الحكمة من أن نبيت هنا ثم نذهب لعرفة ، فقلت له : أولا لابد أن تدرك أن أعمال الحج أمور تعبدية ، بمعنى أن الله أمرنا أن نؤديها ، فمن العبودية لله سبحانه وتعالى أن نقول سمعنا وأطعنا ، لكن عندما تتمعن قليلا في المبيت بمنى تجد أنها تهيئة روحية لليوم العظيم ، يوم عرفة ، فالوضوء مثلا تهيئة لعبادة أعظم وهي الصلاة ، وهكذا الاسلام حتى في تشريعاته لم تأت إلا بعد تهيئة فالخمر لم تحرم إلا بعد تهيئة وعلى مراحل وهكذا ..

وانا أسعى بين الصفا والمروة تذكرت ماقاله الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عن الحكمة من السعي بين الصفا والمروة ، فبعد أن أكد أننا نسعى تلبية وعبودية لله ، قال إن السيدة هاجر عندما أخبرها زوجها الخليل إبراهيم أنه سيذهب بها هي ووليدها لمكان لازرع فيه ولاماء ، سألته سؤالا واحدا : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قالت إذن لن يضيعنا ، وذهبت إلى تلك الصحراء القاحلة ، وليدها يطلب الماء ، تجري يمينا ويسارا ، تسعى ، تأخذ بالأسباب ، مع أن المكان جدب مقفر ، حتى جاء الفرج وتفجرت زمزم ، ونحن عندما نسعى ـ والكلام للغزالي ـ نعيد ما فعلته هاجر ، حتى تتجد فينا عواطف الاتكال على الله والثقة فيما عنده سبحانه وتعالى ، فما في أيدينا قد يسرق ، يحرق ، لكن ماعند الله باق .

في عرفة .. كان المشهد رهيبا ، أكثر من 3 ملايين يرتدون ملابس تشبه لحد كبير أكفانهم ، ولكل منهم شأن يغنيه ، الكل يسأل الله لنفسه المغفرة ، دموع هنا ، وندم هناك ، ولامال ولا ولد يشغل أحدا ، بدا المشهد وكأنه نموذج مصغر ليوم الحشر ، وكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يجسد لنا
بيوم عرفة ذلك اليوم الرهيب ..يوم القيامة ، حتى لايكون للناس حجة على الله سبحانه في أنهم لم يروا أو يتخيلوا يوم القيامة .

إرسل لصديق

ads

تصويت

ما هي توقعاتك لقرار البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة

ما هي توقعاتك لقرار البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر