ads
الأحد 14 سبتمبر 2025 الموافق 22 ربيع الأول 1447
تحيا مصر تحيا مصر
رئيس مجلس الإدارة
سامح جابر
ads

التأمين والهوية الرقمية: نحو مستقبل أكثر أمانًا في إدارة المخاطر وحماية العملاء

تحيا مصر

يشهد العالم في العقدين الأخيرين تحولات متسارعة في مجال التحول الرقمي، حيث أصبحت التكنولوجيا الرقمية جزءًا أساسيًا من جميع الأنشطة الاقتصادية والمالية. ومن أبرز هذه التحولات اعتماد الهوية الرقمية كبديل معاصر للهوية التقليدية، بما يتيح للأفراد والشركات التفاعل إلكترونيًا بطريقة أكثر أمانًا وسرعة.
وفي صناعة التأمين، التي تعتمد بصورة جوهرية على الثقة وحماية البيانات، تبرز الهوية الرقمية كأداة استراتيجية لتطوير آليات الاكتتاب وتسوية المطالبات وتعزيز تجربة العملاء. و تتناول هذه النشرة تعريف مفهوم الهوية الرقمية وأثرها على صناعة التأمين، مع إبراز التحديات والفرص المتاحة أمام السوق المصري ، و استعراض بعض التجارب الدولية الناجحة.
مفهوم الهوية الرقمية 
تشير الهوية الرقمية إلى مجموعة من البيانات الإلكترونية التي تعرّف الفرد أو المؤسسة في البيئة الرقمية. وتشمل هذه الهوية:
1. المعلومات الشخصية
البيانات الأساسية المشابهة لوثائق الهوية الرسمية مثل الاسم والعنوان ومكان وتاريخ الميلاد وغيرها من المعلومات المهمة.
2. البيانات البيومترية
الخصائص البيولوجية الفريدة التي لا يمتلكها سوى شخص واحد، مثل: بصمات الأصابع، التعرف على الوجه، مسح الشبكية، التعرف على الصوت.
3. البيانات السلوكية
وتشمل أنماط سلوك الشخص في العالم الرقمي، مثل: سجل المعاملات، عادات التصفح، التفاعلات مع وسائل التواصل الاجتماعي.
4. بيانات الاعتماد
وتتضمن أسماء المستخدمين وكلمات المرور ومعلومات تسجيل الدخول الأخرى المستخدمة للوصول إلى الخدمات عبر الإنترنت.

دور الهوية الرقمية في إدارة المخاطر في قطاع التأمين
تلعب الهوية الرقمية دورًا هاماً في تعزيز إدارة المخاطر في قطاع التأمين، وذلك من خلال توفير آليات أكثر دقة وكفاءة لتقييم المخاطر والتحقق من الهويات، مما يقلل من عمليات الاحتيال ويحسن من قدرة شركات التأمين على اتخاذ قرارات مستنيرة. كما يساهم التحول الرقمي في مجال التأمين في تحسين نمذجة المخاطر، وتسهيل الامتثال التنظيمي، والحماية من الاحتيال.
تحسين نمذجة المخاطر:
تتيح الهوية الرقمية لشركات التأمين الوصول إلى كم هائل من البيانات حول العملاء، مما يمكنها من بناء نماذج مخاطر أكثر دقة وتخصيصًا. فمن خلال تحليل البيانات المتعلقة بسلوكيات العملاء وتاريخهم، يمكن لشركات التأمين تقييم المخاطر بشكل أفضل وتحديد أسعار أكثر عدالة. على سبيل المثال، في تأمين السيارات، يمكن استخدام بيانات القيادة التي يتم جمعها من خلال أجهزة الاستشعار في السيارات لتقييم سلوك السائق وتحديد قسط التأمين بناءً على ذلك.
كشف الاحتيال ومنع الهجمات السيبرانية:
تعتبر عمليات الاحتيال من أكبر التحديات التي تواجه قطاع التأمين. تساهم الهوية الرقمية في الحد من هذه العمليات من خلال توفير آليات تحقق قوية. يمكن استخدام تقنيات مثل المصادقة متعددة العوامل والتحقق البيومتري للتأكد من هوية العميل عند تقديم المطالبات، مما يقلل من المطالبات الاحتيالية. كما تساعد الهوية الرقمية في تتبع الأنشطة المشبوهة وتحديد الأنماط التي قد تشير إلى محاولات احتيال.
الاستفادة من البيانات والذكاء الاصطناعي في إدارة المخاطر:
يفتح دمج الهوية الرقمية مع تقنيات الذكاء الاصطناعي آفاقًا جديدة لإدارة المخاطر. فيمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الضخمة التي يتم جمعها من خلال الهويات الرقمية لتحديد المخاطر المحتملة بشكل استباقي. على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الطقس والتنبؤ بالكوارث الطبيعية، مما يسمح لشركات التأمين باتخاذ إجراءات وقائية لحماية عملائها وتقليل الخسائر.
دور الهوية الرقمية في حماية العملاء في التأمين الرقمي
تتجاوز أهمية الهوية الرقمية في قطاع التأمين مجرد إدارة المخاطر لتشمل تعزيز حماية العملاء وتجربتهم بشكل عام. ففي بيئة رقمية متزايدة التعقيد، يصبح بناء الثقة وتوفير تجربة سلسة وآمنة أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على ولاء العملاء وجذب عملاء جدد.
تعزيز تجربة العملاء الشخصية:
تتيح الهوية الرقمية لشركات التأمين فهمًا أعمق لاحتياجات وتفضيلات كل عميل على حدة. من خلال تحليل البيانات المرتبطة بالهوية الرقمية، يمكن لشركات التأمين تقديم منتجات وخدمات تأمينية مخصصة تتناسب مع أنماط حياة العملاء ومخاطرهم الفردية. هذا التخصيص لا يزيد فقط من رضا العملاء، بل يعزز أيضًا من شعورهم بالأمان والثقة بأن احتياجاتهم يتم تلبيتها بدقة. على سبيل المثال، يمكن لشركات التأمين تقديم عروض تأمينية مصممة خصيصًا بناءً على سجل القيادة الآمن أو السلوكيات الصحية للعميل.
تمكين المشاركة متعددة القنوات والخدمة الذاتية:
تسهل الهوية الرقمية التفاعل السلس للعملاء مع شركات التأمين عبر قنوات متعددة، سواء كانت تطبيقات الهاتف المحمول، المواقع الإلكترونية، أو حتى روبوتات الدردشة. يمكن للعملاء استخدام هويتهم الرقمية لتسجيل الدخول بأمان، وتقديم المطالبات، وتحديث بياناتهم، وإدارة وثائق التأمين الخاصة بهم في أي وقت ومن أي مكان. هذا التمكين للخدمة الذاتية لا يوفر الوقت والجهد على العملاء فحسب، بل يقلل أيضًا من الأخطاء البشرية ويزيد من كفاءة العمليات.
بناء الثقة والشفافية:
تعتبر الثقة حجر الزاوية في العلاقة بين شركات التأمين وعملائها. وتساهم الهوية الرقمية في بناء هذه الثقة من خلال توفير آليات شفافة وآمنة للتحقق من الهوية وحماية البيانات. فعندما يثق العملاء بأن معلوماتهم الشخصية محمية وأن هويتهم الرقمية آمنة، يكونون أكثر استعدادًا للمشاركة في الخدمات الرقمية. كما أن الشفافية في كيفية استخدام البيانات ومعالجتها تعزز من هذه الثقة، مما يؤدي إلى علاقات طويلة الأمد ومستدامة بين شركات التأمين وعملائها.
الحلول والتوجهات المستقبلية لتعزيز الأمان
لمواجهة التحديات والمخاطر المرتبطة بالهوية الرقمية في قطاع التأمين، هناك العديد من الحلول والتوجهات المستقبلية التي يمكن أن تساهم في تعزيز الأمان وبناء مستقبل أكثر استدامة لهذا القطاع.
الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والأتمتة:
يمكن للذكاء الاصطناعي والأتمتة أن يلعبا دورًا محوريًا في تعزيز أمان الهوية الرقمية وإدارة المخاطر. فمن خلال استخدام روبوتات الدردشة (Chatbots) لتقديم دعم فوري للعملاء والإجابة عن الأسئلة، يمكن تقليل الأخطاء البشرية وتحسين سرعة الاستجابة. كما يمكن للذكاء الاصطناعي، من خلال تحليل التنبؤ، أن يساعد في تحديد العملاء المحتملين وتحديد الأنماط المشبوهة التي قد تشير إلى محاولات احتيال. 
التجارب الدولية الرائدة في مجال الهوية الرقمية :

إستونيا  - النموذج الشامل

النموذج: تُعتبر إستونيا رائدة عالميًا في مجال الهوية الرقمية الوطنية من خلال بطاقة الهوية الإلكترونية (e-ID) والمواطنة الإلكترونية (e-Residency.. و النظام مبني على تقنية Blockchain .
التطبيق في التأمين:
يمكن للمواطنين والمقيمين استخدام هويتهم الرقمية للتسجيل في خدمات التأمين عبر الإنترنت في دقائق.
يمكنهم التوقيع إلكترونيًا على عقود التأمين بشكل ملزم قانونيًا.
تتيح الهوية الوصول إلى سجلات صحية مشفرة (بإذن المستخدم)، مما يسمح لشركات التأمين بتقديم عروض أسعار دقيقة وسريعة للتأمين الصحي أو على الحياة.
الفوائد: شفافية كاملة، أمان عالٍ، تقليل التكاليف الإدارية، تجربة عملاء سلسة.

 الهند  - النموذج القائم على القطاع العام (Aadhaar)
نموذج: Aadhaar هو أكبر نظام للهوية الحيوية في العالم، حيث يمنح كل مقيم رقم هوية فريداً مبنياً على بياناته الحيوية (بصمات الأصابع، القزحية).
التطبيق في التأمين (مع بعض القيود):
"اعرف عميلك" (KYC): يُستخدم Aadhaar بشكل كبير لتبسيط عملية التحقق من الهوية عند شراء بوالص التأمين، خاصة في التأمين على الحياة والصحي.
المدفوعات: يربط Aadhaar بين الهوية والحسابات البنكية ، مما يسهل دفع أقساط التأمين وتسوية المطالبات مباشرة للعملاء.
التأمين الصحي الحكومي: يستخدم على نطاق واسع في المخططات الحكومية مثل لتحديد المستفيدين ومنع الاحتيال.
الفوائد: شمل قطاعات كبيرة من السكان غير المخدومين، خفض تكاليف العمليات، مكافحة الاحتيال.

سنغافورة  - النموذج المتكامل (MyInfo)
النموذج: MyInfo هي هوية رقمية وطنية تسمح للمواطنين بتخزين بياناتهم الشخصية (الاسم، العنوان، تاريخ الميلاد، ...) في "خزنة بيانات شخصية" واحدة آمنة تابعة للحكومة.

التطبيق في التأمين:
عند شراء تأمين من أحد الشركاء (مثل شركات التأمين أو البنوك)، يمكن للعميل الموافقة على مشاركة بياناته من MyInfo تلقائيًا لملء نموذج الطلب. مما يلغي الحاجة إلى ملء النماذج يدويًا أو تحميل نسخ من الوثائق، مما يجعل عملية التسجيل خالية من المتاعب تقريبًا .

يستخدم على نطاق واسع في تأمين السيارات، التأمين على الحياة، والتأمين الصحي.

الفوائد: تجربة مستخدم استثنائية، دقة البيانات، أمان عالٍ، كفاءة العمليات.
دراسات حالة عملية
التأمين على السيارات (Telematics):
كيفية الاستخدام: يمكن ربط الهوية الرقمية ببيانات القيادة من أجهزة الاستشعار (Telematics).  حيث يقود السيارة سائق معروف ومؤكد هويته ، و ترتبط بيانات القيادة الخاصة به (السرعة، الكبح، إلخ) بهويته الرقمية.
الفائدة: تسمح هذه الطريقة لشركات التأمين بتقديم التأمين القائم على الاستخدام بشكل أكثر دقة وأمانًا، ومكافأة السائقين الآمنين بأقساط أقل.
تسوية المطالبات السريعة:
السيناريو: في حادث سيارة بسيط، يمكن للسائقين استخدام تطبيق على الهاتف للتحقق من هويتهم رقميًا، وتقديم بلاغ الحادث، والتوقيع على المستندات، وحتى التحقق من هوية السائق الآخر ومعلومات تأمينه عبر مشاركة بيانات الهوية الرقمية (بإذن منهم).
الفائدة: تسريع عملية المطالبة من أيام إلى ساعات، وتقليل الاحتيال عبر التحقق من جميع الأطراف.
دور الهيئة العامة للرقابة المالية في وضع ضوابط الهوية الرقمية
أصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية القرار رقم 140 لسنة 2023 (الذي تم تحديثه بتاريخ 26/3/2025)  بشأن الهوية الرقمية والعقود الرقمية والسجل الرقمي ومجالات استخدام التكنولوجيا المالية لمزاولة الأنشطة المالية غير المصرفية ومتطلبات الامتثال، وهو ما يعد أول قرار تنظيمي صادر عن جهات الرقابة على القطاعات المالية، والذي حدد تفصيلاً متطلبات التعرف الإلكتروني الرقمي على العملاء.
ضوابط الهوية الرقمية طبقاً للقرار
يتم ضبط الهوية الرقمية من خلال ثلاث عمليات فرعية وهي التحديد والتحقق والمصادقة.
فيما يتم إنشاء الهوية الرقمية أو تجديدها من خلال استيفاء عمليات التحديد والتحقق والمصادقة على الهوية المادية، ولتمكين المتعامل من الدخول على المنصة الرقمية يتم استيفاء عمليات التحديد والتحقق والمصادقة على الهوية الرقمية.
ويجب أن تعتمد العمليات الفرعية اللازمة لضبط الهوية الرقمية على أكثر من مجموعة نوعية من عوامل التحديد والتحقق والمصادقة.
تنقسم المجموعات النوعية إلى ثلاث مجموعات، وهي:
‌مجموعة عامل المعرفة: منها، اسم المستخدم، وكلمة مرور، وإجابات على أسئلة شخصية.
‌مجموعة عامل الحيازة: منها، مستند إثبات الشخصية، وصندوق البريد الإلكتروني، ورقم التليفون المحمول، ورقم الجهاز المستخدم أو رقم الشريحة المرتبطين برقم التليفون المحمول، وحساب دفع غير نقدي، وتوقيع إلكتروني معتمد.
‌مجموعة عامل الوجود والحيوية:  منها، الخصائص البيومترية لبصمة الوجه، ولبصمة الصوت، ولبصمة الأصابع، ولهندسة الكف، ولبصمة العين، وحيوية رد الفعل، ومحددات الموقع الجغرافي، ومحددات الموقع السيبراني، ومحددات وقت المعاملة.

رأي إتحاد شركات التأمين المصرية
تمثل الهوية الرقمية ركيزة أساسية في تطوير صناعة التأمين على المستوى المحلي والدولي .

فهي تسهم في تعزيز الثقة، رفع كفاءة العمليات، وتقليل مخاطر الإحتيال. ويرى الإتحاد أن الهوية الرقمية تمثل فرصة استراتيجية لتعزيز الابتكار في صناعة التأمين المصرية.

فهي تتيح لشركات التأمين تقديم خدمات أكثر كفاءة وأمانًا، بما يسهم في حماية حقوق العملاء وتحقيق الشمول التأميني .

ويؤكد الإتحاد التزامه بدعم الجهود الوطنية في مجال التحول الرقمي، وتشجيع شركات التأمين على تبني الهوية الرقمية كخطوة أساسية نحو مستقبل أكثر إستدامة وموثوقية.

ولتحقيق مستقبل أكثر أمانًا، يوصى الاتحاد بالإستثمار المستمر في تقنيات الذكاء الإصطناعي والتحول الرقمي لتعزيز قدرات إدارة المخاطر وكشف الإحتيالي.

كما أن تعزيز التعاون والشراكات بين شركات التأمين ومقدمي التكنولوجيا سيشكل حجر الزاوية في بناء نظام بيئي تأميني رقمي آمن وموثوق.
ومع تزايد الوعي بأهمية حماية البيانات، ستصبح الهوية الرقمية الموثوقة هي المفتاح لإضافة إمكانيات جديدة لقطاع التأمين، مما يضمن مستقبلًا أكثر أمانًا ومرونة للجميع.




تم نسخ الرابط