تحيا مصر : «حكاية عباس» حامل خريطة مفتاح معابد إسنا فى التاريخ (طباعة)
«حكاية عباس» حامل خريطة مفتاح معابد إسنا فى التاريخ
آخر تحديث: السبت 14/05/2022 12:08 م
لمدينة إسنا تاريخ ضارب في القدم في كافة العصور التاريخية التي مرت على مصر، ويؤكد المؤرخون أن إسنا كانت تضم عددا من المعابد التي اندثرت، بالإضافة لمعبد الإله خنوم، الذي يعتبر من أجمل المعابد في مصر لجمال أعمدته وسقفه وأشكال نقوشه الزاهية البديعة، ونظرا لأن أغلب المعابد كانت مدفونة فقد كانت تحتاج لدليل مثل عباس ذلك الرجل الذي تم ذكره في كتاب إميليا أدوارز "رحلة الألف ميل"، والذي كان يحمل مفتاحا وخريطة لمعابد إسنا نهايات القرن التاسع عشر.

وأسفرت عن ظهور النقوش والألوان الأصلية والزاهية الموجودة تحت السقف الأوسط فوق مدخل المعبد الموجود على ارتفاع 14 مترا، حيث تصور الرسوم 46 نسرًا في صفين و24 منهم تحمل رأس نسر وتمثل نخبت، إلهة مصر العليا من الكاب، و22 أخرى لها رأس كوبرا وتمثل واجيت، إلهة مصر السفلى، لافتا إلى أنه لم يظهر من قبل أي رسم أو صورة لهذا السقف في النشر العلمي السابق لعالم المصريات الفرنسي سيرج سونيرون، والذي قام بتسجيل نقوش المعبد ما بين عامي 1963 و1975م.

في عهد محمد علي باشا، كانت إسنا تضم معبد آخر منهم المعبد الذي اندثر لقيام محمد علي باشا باستخدام أحجاره، وذلك بعد تنفيذ مذبحة في المماليك الفارين للصعيد بعد تنفيذه لمذبحة القلعة، حيث يذكر الرحالة إدريس أفندي الكثير من تعقب إبراهيم باشا للمماليك وعبيدهم وتنفيذ مذبحة فيهم وبقي فقط هذا المعبد المعروف حاليا، والذي استخدمه محمد علي باشا كمخزن للبارود في عهد الرحالة إدريس أفندي الذي روي الكثير عن وقائع إسنا في عهد محمد علي باشا، الذي حول المدينة لمنفى.

ويقول المؤرخ والأثري فرنسيس أمين إن إسنا كانت تضم في بعض الحقب الزمنية 13 ألف منزل كلها مبنية بالآجر، وبها 70 حارة كبيرة ومدرستان وحمامان وأسواق كثيرة، والعديد من أبراج الحمام، وكان بها كثير من الحرف والصناعات، مثل صناعة المنسوجات الصوفية السميكة المعروف بـ"الكليم"، مضيفا أن الطبيعة الجغرافية لإسنا مختلفة، حيث بني المعبد في مكان منخفض، بينما بنيت المدينة في مكان أعلى مما جعل المعبد الحالي عُرضة للمياه الجوفية ومتأثراً بالتقلبات المناخية، مؤكداً أن المعبد الحالي تم وصفه في عديد من المراجع في كافة الحقب التاريخية.

أما قرى المدينة فقد تم اكتشافات آثار مذهلة بها في بدايات القرن العشرين مثل لوحة قصة فيضان نهر النيل، المكتشفة بقرية المطاعنة، وهو الفيضان الذي تم وصفه بأنه أدى لاختفاء اليابسة حسب ما أوردت النقوش.

لم يكن يعرف المعبد الحالى ولا المعابد المندثرة وجغرافيتها سوي "عباس" الذي كان يحمل خريطته في عقله الباطن، ويقوم بجلب السياح والرحالة للاطلاع عليه قبل تأسيس علم المصريات.

وتقول "إميليا ادواردز" في الفترة من 1873 إلى 1874م إن المعبد كان يقع بجوار السوق، وبحثنا عن علامة تدل عليه دون جدوى، حيث اصطحبنا طفل لكي يدلنا علي عباس الذي يعرف مكانه، مؤكدة أن الطفل ويدعي محمد جري ناحية المنازل التي كانت تضمها بوابة ضخمة، وأخذ يصيح مناديا "عباس عباس" دون جدوى.

نفد صبر "إميليا ادواردز" من غياب عباس، حيث أكد بعض الناس للطفل محمد بأن عباس في أحد المقاهي بالمدينة، إلا أن إميليا ادواردز لم تكن تصدق بوجود معبد مندثر، أما الأهالي الذين احتشدوا علي صوت الطفل وهو ينادي علي عباس، فقد أكدوا لها أنه يوجد معبد مندثر.

قالت "إميليا" أن الخبر جاء في اللحظة التي انفتحت فيها البوابة لندخل وتشاهد معبدا به تراكمات ومدفون، وقامت بوصفه بشرح مفصل 

ويرجح فرنسيس أمين أن يكون عباس الذي تم ذكره فى كتاب رحلة الألف ميل، معلما للأطفال في مدينة إسنا ، مضيفاً أن إميليا أدوارز، ارتحلت للصعيد في وقت كانت الذهبيات تنتشر في النيل كوسيلة مواصلات، وهي الذهبيات التي سيرها توماس كوك مؤسس الشركة، والذي قام بشراء الخطوط النهرية لنقل السائحين من القاهرة حتى الشلال الأقصى، كما قام بشراء خطوط البوستة «البريد» ونقل المسافرين من أسيوط إلى الشلال؛ حيث قاموا بوضع الكثير من الوابورات والذهبيات في نهر النيل، وقضت إميليا حوالي 6 أشهر بجوار معبد أبو سمبل، تمكنت خلالها من ملاحظة ظاهرة تعامد الشمس وتركزها على وجة الملك رمسيس الثاني داخل قدس أقداس معبده، كما اكتشفت مقصورة «تحوت»، التي تعرف باسمها مقصورة إميليا ادواردز.

رصدت إميليا ادواردز، في كتابها الكثير من الشخصيات التي قابلتها في مصر بالإضافة إلى عباس مثل الريس حسن، الذي كان يقود المركب «القبطان»، والرحلة الشاقة التي صارت بها من جبل أبوفايدة بالمنيا؛ حيث كان النهر ينحدر وينفتح بشدة، ووصفت كيف كان المصريون في نهر النيل يدفعون مراكبهم بعصا طويلة، كما وصفت عمال السخرة الذين ينساقون للعمل، كما سردت كيف كان البحث عن عباس، في أحد المقاهي بمدينة إسنا بالصعيد؛ لأنه كان يعرف مكان المعبد في إسنا، كما سردت كيف ركبت حمارا لمدة 3 ساعات كي تستكشف معبدا بالصعيد.

من جانبه قال الدكتور هشام الليثي رئيس الإدارة المركزية لتسجيل الآثار المصرية ورئيس البعثة الأثرية من الجانب المصري، إن نقوش المعبد الملونة عانت على مر القرون الماضية من تجمع طبقات سميكة من السناج والأتربة والإتساخات، بالإضافة إلى مخلفات الطيور والوطاويط، وعشش العناكب وكذلك تكلسات الأملاح، والتي خلفتها عوامل الزمن منذ ما يقرب من 2000 عام؛ مما استلزم إعداد مشروع ترميم وتطوير للمعبد للحفاظ عليه وعلى نقوشه الفريدة والمتميزة، وللحفاظ على هذا الأثر الفريد من العصر الروماني، وبتمويل من مركز البحوث الأمريكي في مصر.

فيما قال أحمد إمام مدير فريق الترميم، إن أثناء تنظيف إفريز الجدار الغربي في محور المعبد، عثر فريق الترميم على نقشًا يونانيًا مرسومًا بالحبر الأحمر كان مغطى تمامًا تحت السناج الأسود، مشيرا إلى أن الدراسات الأولية لهذا النص ترجح أنه يرجع لفترة الإمبراطور دوميتيان (81-96 م)، حيث يسجل النقش اليوم والشهر (Epiphi 5)، والذي يتوافق مع عهد دوميتيان نهاية يونيو أو بداية يوليو، ومن المرجح أن يكون هذا الوقت الذي تم فيه الانتهاء من بناء معبد إسنا.