تحيا مصر : مشاهد منسية 1 (طباعة)
مشاهد منسية 1
آخر تحديث: الثلاثاء 19/12/2017 08:09 ص كارم المياني


الريف المصرى الجميل والقرى الصعيدية لديهما الكثير من الكنوز الثمينة من التراث والأساطير والقصص التي شملت الحياة الإنسانية ولكن هذا التراث بعيدا عن الأنظار وعدم اهتمام الناس به والانشغال الناس عنه في حيثيات الحياة المعاصرة.

إن إحياء التراث المصري في الريف والصعيد بحاجة إلى دراسات وتخطيط وإعداد طواقم إدارية وفنية من أجل معرفة هذا التراث.

وفي حديثنا عن تراث أجدادنا في الريف والصعيد لابد أن نأخذ في عين الإعتبار أن التراث ليس مجرد أساليب حياتية أو تقاليد أو ملابس انه أعمق بكثير من هذا فهو الدافع إلى الانطلاق والتطور والحفاظ على الهوية والانتماء .

مشاهد كثيرة من هذا التراث المصري صورها الخال عبدالرحمن الأبنودي في كتابه أيامي الحلوة وبعض الأفلام المصرية القديمة صورت بعض مشاهد  الحياة في الريف والصعيد قديما ولكن هناك الكثير والكثير من هذا التراث لم يتم إلقاء الضوء عليها فالحياة في الماضي مليئة بالتراث والثقافات تحمل بين طياتها كنزا للأدباء والمفكرين وسنحاول جاهدين في هذه السلسلة الدخول والغوص في الأعماق والعودة بالماضي من أجل إلقاء الضوء على هذا التراث المنسي.

  •              البداية

  • صورة الريف والصعيد قديما

  الحياة في الريف والصعيد  لذة وتعب في آنٍ واحد، فالحياة وسط الطبيعة والهواء النقي تشعرك كأنك في الجنة، لا تريد الخروج منها، ولكن من يتمتع بهذه اللذة بالتأكيد أصحابها وليس العاملون بها، فهناك قطاع كبير من المقيمين بقرى ريفية  أو صعيدية يعملون في الحقول لكسب قوت يومهم، ولتلبية احتياجاتهم المختلفة، حتى الكثير من الفتيات لا يعرفن فى حياتهن غير الخضرة والزرع وطريق منازلهن، حيث يذهبون في الصباح إلى الحقل ويعدن في المساء من أجل  قرش أو اثنين  في اليوم الواحد، وذلك لكي لا يجلسن في المنزل من دون عمل، حتى تستطيع كل واحدة منهن إحضار "جهازها" والأدوات التي تحتاجها لكي تتزوج، ويخففن بذلك عن كاهل أسرهم الكثير من الأعباء عندما يتقدم أحد الأشخاص لابنتهما.    

نجد أهل الريف والصعيد  أناس يعيشون بسعاده وحب يجتمعون لأقل مناسبة فرحتهم واحدة وحزنهم واحد الحياه البسيطه تجعلهم يتمسكون ببعض أكثر ويفتقدون من يغيب عنهم.

تتميز البيوت الريفية  والصعيدية في مصر  بطابع البساطة؛ حيث تُبنى من الطوب اللبِن وتكون هذه البيوت قريبةً من بعضها البعض، وفي كلّ منزل يُخصّص الفلاح المصري ما يُسمى بـ (الزريبة)؛ وهى المَكان الخاص بتربية المواشي، فنرى الفلاح يملك بقرة أو بقرتين ليحصل على الحليب والألبان والأجبان وكذلك على اللحوم وتصنيع السمن وكانت البقرة أو الجاموسة مصدر داخل ورزق للرجل وتعتبر العائل الثاني في البيت بعد الرجل ، وإلى جانب الجاموسة والبقرة  يُربّي المزارع في زريبته الأغنام والماعز، وكذلك الطيور مثل: الدجاج والبط؛ ليسدّ حاجته من البيض واللحم، وليتنقّل المزارع في الريف وينقل حاجاته يستخدم الحمار بديلا للعربة فهو الدابة الوحيدة المؤهّلة للتنقّل على الأراضي الطينيّة في الترعة.

و المرأة الريفية المصرية والصعيدية   كانت وزير المالية في البيوت هي التي تُدبّر شؤون المنزل وتصنع الخبز من خلال الفرن البلدي البديل للبوتاجاز في هذه الأيام وكان عبارة عن قبة مفتوحة من الأسفل يوضع بها القش والحطب من أجل الاشتعال  و الموجود في إحدى زوايا المنزل، لتصنع وجبات الطعام لعائلتها. تحصل الأسرة المصرية على الماء البارد من خلال الزير المصري الذي يبرّد الماء طبيعياً دون الحاجة إلى الثلاجات، وتربط الفلاحين علاقةٌ تكافلية؛ حيث تتبلور روح التعاون والحب فيما بينهم حيث يشارك الجميع في أفراح وأحزان  غيرهم؛ فالريف المصري و القرى الصعيدية  صغيرين  جداً وكلّ فلاح وصعيدي  مُطّلع على أحوال جيرانه الموجودين حوله.

سعادتهم أن يجلسوا  تحت ظلال الأشجار ويفترشون الحشائش الخضراء المبللة بقطرات ندى الصباح ويتناولون وجبة الأفطار و يذهبون الى أعمالهم منهم من يسقي أرضه ويقطف ثماره ومنهم من يرعى قطيعه حياتهم بعيده عن التكلف والترف وهذا هو الذي جعل نفوسهم طيبه وكريمه .
كان هناك جو من الألفة بين الجيران وكانوا يعرفون معنى الجيرة الحقيقى التى أوصى بها النبى صلى الله عليه وسلم
وكان هناك ما يسمى باللمه , حيث يجتمع أهل بيت واحد أو عدة بيوت فى مكان ما ربما كان سطح أحد البيوت او حوش فى بيت ما أو حتى أمام البيوت فيجلس الرجال سوياً وعلى قرب منهم تجلس النساء ومن حولهم الأطفال يلهون ويلعبون
ويتبادلون الاحاديث والقفشات والفكاهات بينما تدور اكواب الشاى والمشروبات والعصائر وتتبادل النساء إحضار هذه المشروبات بينهم .
وكانت تلك القعدات تجعل من كل جار عالماً بحال جاره فلو كان فيهم من هو فى عسرة إجتمعوا معاً على فك عسرته ومن كان منهم ذا حاجة إجتمعوا على قضاء حاجته
هذا بخلاف الجو الأسرى الجميل الذى يشع حباً وألفه بين الجميع
وكانت تلك القعدات كثيراً ما تحل خلاف نشأ بين جارين ربما كان بسبب لعب الأطفال أو تبادل بعض الكلمات بين النساء مما يؤدى إلى نشوب خلاف بين الجارتين فكانت تلك القعدات تساهم بشكل كبير فى فض هذه الخلافات وتصالح المتشاجرين و صافي يا لبن , حليب يا قشطه .

وكانت هناك مشاركات فعالة بين الجيران فى كل المناسبات
فى الأفراح وفي الأتراح , فى الصحة وفي المرض
فمثلاً إذا كانت هناك مناسبة زواج عند أحد الجيران كان الرجال يسارعون فى قضاء بعض حاجات جارهم والد العروس وكانت النساء يجتمعن أياماً قبل ليلة المناسبة ليل ونهار لمساعدة أم العروس فى كل ما تفعله من أجل تجهيز إبنتها لهذه الليلة السعيده من إعداد ملابس إلى صنع الطعام والحلويات لهذه المناسبة ولا يضن أى جار بالمساهمة سواء كان بمال او بجهد كل حسب طاقته .
ونفس الوضع إن حدثت وفاة لدى جار , نجد الرجال يقفون وقفة رجل واحد منذ لحظة الوفاة وربما لعدة أيام تليها يقضون حوائج أهل الميت ويقفون معهم يتقبلون العزاء و يستضيفون فى بيوتهم بعض الأهل الذين يأتون للعزاء من بلدان أخرى إذا ضاق بهم بيت أهل المتوفى .
وكذلك كانت النساء لا يتركن نساء المتوفى بل يصاحبونهن ليل نهار يطيبن خاطرهن ويعددن الطعام لهن ولمن جاء للعزاء من بلدان أخرى .
وكذلك لو مرضت جارة وكان لديها أطفال صغار وأقعدها المرض عن قضاء حوائجهم تكفلت الجارات بهؤلاء الأطفال فى كل شئ حتى الإستحمام و يتكفلن أيضاً ببيت المريضة من تنظيف وغسيل وإعداد طعام وغيره من حوائج البيت التي لا تتوقف.

وسنحاول جاهدين في الحلقات القادمة توضيح كل شيء مفصل وموضح داخل الأرياف والصعيد .