تحيا مصر : عيد استقلالها الـ 26.. أوزبكستان ترسم معالم جديدة للتنمية الناجزة (طباعة)
عيد استقلالها الـ 26.. أوزبكستان ترسم معالم جديدة للتنمية الناجزة
آخر تحديث: الأربعاء 13/09/2017 10:42 م
أبو بكر أبو المجد أبو بكر أبو المجد




قبل أيام قلائل، وتحديدًا في الحادي والثلاثين من شهر أغسطس الماضي، شرعت أوزبكستان الجديدة في الاحتفال بيوم استقلالها كما جرت العادة قبل 25 عامًا؛ لكن هذا العام وفي عيد الاستقلال السادس والعشرين كان هناك جديد.. قائد جديد.. أحداث جديدة.. أخبار سعيدة.. خطط تنموية ناهضة كما هي عادت أوزبكستان الفريدة.

لا شك أن أوزبكستان باتت نموذجًا يحتذى في مختلف المجالات، ولقد استطاع الراحل طيب الذكر القائد الأول ومؤسس أوزبكستان الحديثة إسلام كريموف، أن يضع خطته ورؤيته للتنمية مراهنًا فيها على شعب أكسبه تاريخه الضارب في عمق الحضارة الإنسانية، وتنوعه الثقافي والتاريخي قدرة على تنفيذ الطموحات والآمال النهضوية مهما كانت معجزة.

لكن احتفال هذا العام يقوده مع الشعب الأوزبكي رئيسًا جديدًا جاء بعد انتخابات أجريت عقب وفاة الرئيس كريموف في الثاني من سبتمبر/أيلول الماضي، وأشرفت عليها العديد من الهيئات الدولية في الرابع من ديسمبر/كانون أول الماضي، إنه الرئيس شوكت ميرضيائيف.

من هو؟

ولد شوكت ميرضيائيف يوم 24 يوليو/تموز 1957 في مقاطعة جيزك بجمهورية أوزبكستان السوفيتية، وفي العام 1981، تخرج من معهد طشقند للري واستصلاح الأراضي، وفي الفترة 1981-1992، عمل في الجامعة نفسها ونال درجة الدكتوراه فيها.

بدأ مسيرته السياسية في العام 1990 بفوزه بمقعد في المجلس الأعلى لأوزبكستان، وفي العام 1990 انتخب عضوا في أول برلمان تشكل في البلاد بعد الاستقلال، ومن ثم فاز بمقعد في المجلس مجددا في 1999.

بالتزامن مع عمله البرلماني، شغل ميرضيائيف منصب رئيس الإدارة المحلية في إحدى مناطق العاصمة طشقند، ومن ثم تم تعيينه في منصب حاكم مقاطعة جيزك، ومن ثم مقاطعة سمرقند.

وفي العام 2003، تولى منصب رئيس الوزراء، وفي السنوات اللاحقة تم تجديد تكليفه بالمهام نفسها 3 مرات، حتى انتخابه رئيسًا.

استكمال المسيرة

تحديات كبيرة لطالما عاشتها الدولة الأوزبكية التي تحارب داخليًا التشدد الديني الذي طالما تبنته حركات مستهدفة أمن واستقرار أوزبكستان، وخارجيًا حيث الصراعات الحدودية والاضطرابات الداخلية كما هو الحال مع قرغيزستان وفي أفغانستان، والجديد هم أولاء الذين انضموا إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، والذين باتوا إزعاجًا جديدًا للدولة الناهضة.

لكن الرئيس الجديد على ما بدا أنه راغب في السير على خطى سابقه، والذي يمكننا القول أنه استطاع بذكاء الحفاظ على المصالح العليا للدولة الأوزبكية واستقرار قرارها خاصة بعد رفضه لاستمرار القاعدة العسكرية الأمريكية أو الانضمام لأي تجمع اقتصادي أو أمني لمجموعة أوراسيا.

وانتقل كريموف بأمان من شاطئ الاشتراكية إلى شاطئ الاقتصاد الحر، مستغلًا طاقات بلاده البشرية وثرواتها المادية، وخاصة القطن.

فالراحل صاحب الأسس الخمس.. صانع الاستراتيجية الركيزة للأمة الأوزبكية وهي:

1- تحرير السياسات الاقتصادية من الأيدولوجيات.

2- مسؤولية الدولة على تطبيق وتنفيذ سياسة الإصلاح الاقتصادي والتنمية.

3- سيادة القانون على الجميع دون استثناء.

4- انتهاج سياسة اجتماعية تراعي محدودي الدخل وأصحاب المعاشات.

5- الارتقاء التدريجي المدروس.

هذه الأسس ساهمت في مضاعفة الإنتاج الأوزبكي خمسة أضعاف، ودخل الفرد لأربعة أضعاف، ومرور الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2005 على البلاد بسلام، وتحقيق تنوع اقتصادي نابع من الطفرة العلمية والتكنولوجية التي عاشتها أوزبكستان ما ساعد على نمو صناعة السيارات والغزل والنسيج، والاهتمام الذي أولاه الرئيس الراحل إسلام كريموف شخصيًا بتراث الدولة الأوزبكية الإسلامي والإنفاق السخي على تطوير مراقد ومساجد وجامعات حملت أسماء كبار علماء وقادة الأمة الإسلامية كالبخاري وغيره، إضافة لأكثر من 7 آلاف أثر تاريخي ومعماري أشهرها في سمرقند وبخارى وخيوى وشهريسبز وطشقند وخوقند وغيرها من المدن الأوزبكيى العريقة.

الانتقال السلس للسلطة منح ميرضيائيف الفرصة كاملة للانطلاق بأكبر دول آسيا الوسطى سكانًا "32 مليونًا تقريبًا" نحو الأفضل، والرجل الذي اقترب كثيرًا من سالفه حتى تولى الرئاسة المؤقتة بعد رحيله، ثم رئيسًا بانتخابات حرة شارك فيها ما يقرب من 18 مليون أوزبكي، وحصل على نسبة زادت عن 88%، لديه من القدرات والثقة الشعبية ما يجعله يستكمل المسيرة بنجاح، وأظنه بدأ.

فاهتمامه ببناء المساكن في المناطق الريفية يعد استمرارًا منطقيًا في العمل الواسع الجاري والهادف إلى النهوض بأحوال السكان، وتحقيق الرفاهية لكل فرد من أفراد المجتمع.

ومن شأن هذه الإنشاءات أن تسهم في توفير فرص عمل للسكان، خاصة في ظل رعاية الدولة وتحفيز المواطنين على المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

وتجدر الإشارة إلى أن النموذج الخاص للتطور، قد ساعد أوزبكستان على تجاوز صعاب المرحلة الانتقالية دون التعرض إلى الهزات الاجتماعية الخطيرة والصمود في ظل ظروف الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وتوفير النمو الراسخ لرفاهية السكان.

المرسوم الأول

كان المرسوم الأول الذي أصدره ميرضاييف "حول إستراتيجية العمل لمزيد من التنمية في جمهورية أوزبكستان" دليلًا على رؤية الرجل العميقة واستراتيجيته الهادفة لاستكمال مسيرة النهضة الأوزبكية، حيث رصد بدقة ما حققته أوزبكستان خلال سنوات الاستقلال من تدابير ملموسة رامية إلى بناء دولة المؤسسات والقانون ولديموقراطية والمجتمع المدني القوي وتنمية الاتصاد المؤسس على علاقات السوق الحرة وأولوية الملكية الخاصة وتوفير الظروف لحياة الشعب السلمية والمرفهة واحتلال أوزبكستان لمكانة جديرة بها في الساحة الدولية.

وآخذا التقديرات الموضوعية للطريق التي قطعتها أوزبكستان والخبرة المكتسبة ونتائج تحليل النجاحات المحققة خلال سنوات الاستقلال بعين الاعتبار وانطلاقا من متطلبات العصر تم تحديد مهمات مستقبلية مثل تحديد

أهم الأولويات وأدق الاتجاهات لتعميق الإصلاحات الديموقراطية وتطوير البلاد بوتائر سريعة لاحقا.

وأوضح ميرضاييف في مرسومه الأول أنه في سبيل تحقيق هذه المهمات عُقدت جلسات بمشاركة فئات واسعة من السكان وممثلين للأوساط الاجتماعية ودوائر الأعمال وأجهزة الدولة نوقشت خلالها القوانين المعمول بها والمواد الإعلامية والتحليلية والتقارير والتوصيات المقدمة من قبل المنظمات الدولية والوطنية، كما ودُرست في سيرها خبرات البلدان الخارجية المتطورة.

ووضع مرسوم التطوير الصادر من الرئيس الجديد خطة لأربع سنوات مقبلة تعمل وفقًا لاستراتيجية بنيت على خمسة اتجاهات تبدأ عام 2017 وهو عام الحوار مع الشعب، وتنتهي عام 2021، حيث أُجريت نقاشات في مختلف الأوساط الاجتماعية ونُشر نصه في وسائل الإعلام العام لتبادل الآراء، وهو ما قد أثار اهتمام المواطنين وأكد على ارتباط مصيرهم بالإصلاحات الجاري تحقيقها في البلاد وأظهر النشاط السياسي الحقوقي العالي للشعب، ونتيجة لتلك النقاشات وردت 1310 مقترحا وفكرة وعلى أساسها أعيد النظر في 41 فقرة من برنامج الدولة.

وقد وُضع في أساس إستراتيجية العمل مسائل مهمة لتنمية البلاد اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا أُعلنها من قبل رئيس جمهورية أوزبكستان شوكت ميرضاييف في سير الحملة الانتخابية والعديد من اللقاءات مع ممثلي الأوساط الاجتماعية ودوائر الأعمال وأجهزة الدولة.

وتهدف إستراتيجية العمل إلى رفع فعالية الإصلاحات الجاري تحقيقها بصورة جذرية وتوفير الظروف لإنجاح سير تطوير الدولة والمجتمع وتجديد البلاد وتحرير جميع مجالات الحياة بوتائر سريعة.

وتمثلت الاتجاهات الخمسة التي وضعها الرئيس الأوزبكي الجديد في تنمية البلاد واستكمال عملية بناء الدولة و المجتمع، وتأمين أولوية القانون وإصلاح النظام القضائي القانوني لاحقا, وتطوير وتحرير الاقتصاد, وتنمية المجال الاجتماعي, ونشر الأمن والوفاق بين القوميات وإبراز قيم التسامح الديني وممارسة السياسة الخارجية المتزنة والبناءة ذات المنفعة المتبادلة.

ولكل اتجاه من هذه الاتجاهات فصول ملموسة لتعميق الإصلاحات والتحولات في البلاد مستقبلا، حيث يقتضي تحقيق إستراتيجية العمل على خمس مراحل، وفي إطار كل منها ستتم المصادقة على برنامج الدولة السنوي الخاص لتحقيقه وفقا لشعار العام المعلن.

وقد تقرر في إطار الاتجاه الأول لبرنامج الدولة ألا وهو استكمال عملية بناء الدولة والمجتمع وتعزيزُ دور "أعلي مجلس" (البرلمان) في نظام سلطة الدولة وتحسين النشاط التشريعي جذريا ورفع حجم دور الأحزاب السياسية في حياة الدولة.

والتخطيط كذلك لتحقيق تدابير خاصة باستكمال إدارة الدولة وبالدرجة الأولى إصلاح خدمة الدولة وتقليص إدارة الاقتصاد من قبل الدولة وتطوير الأشكال الحديثة للتعاون ذي المنفعة المتبادلة بين قطاع الدولة والقطاع الخاص ونظام "الحكومة الإلكترونية".

وقد أصبح إجراء الحوار الفعال مع الشعب واحدا من المهمات الأكثر أهمية وحيوية لبرنامج الدولة، وبهذا الصدد تقرر استكمال المراقبة الاجتماعية

وتطوير المنظمات غير الحكومية وغير التجارية ووسائل الإعلام العام وكذلك تعزيز دور محليات السكان في حياة المجتمع لاحقا.

ويستهدف الاتجاه الثاني من برنامج الدولة اتخاذ تدابير خاصة بتأمين أولوية القانون واستقلالية القضاء الحقيقية، حيث يُخطط في هذا السبيل لإنشاء مجلس القضاء الأعلى الداعي إلى تأمين استقلالية القضاء لدي اتخاذ قرارات وتشكيل نخبة من القضاة المحترفين وتحقيق تدابير لحماية حقوق ومصالح القضاة المشروعة.

ويُخطط لاستكمال القوانين الإجرائية والتشريعية وذلك بهدف الحيلولة دون المماطلة والتأخير غير المبرر للنظر في القضايا من قبل المحاكم وتوسيع صلاحيات الجهات القضائية العليا لكي تتمكن من إزالة النواقص الموجودة في عمل المحاكم الجزئية بصورة مستقلة ومن إصدار قرار نهائي.

ويضم هذا الاتجاه كذلك إعداد نظرية الاستكمال اللاحق للقوانين الجنائية وقوانين الإجراءات الجنائية لسنوات 2018 – 2021 واستكمال نظام التعليم واختيار وتوزيع العاملين على المؤسسات القضائية وأجهزة الأمن وتحليل المراجعات الدائم وتجديد نتائجها الدوري وتطوير المحاماة وإصلاح نظام مكاتب التوثيق والسجل المدني.

ويقتضي تحقيق الإجراءات في الاتجاه الثالث ألا وهو تطوير وتحرير الاقتصاد تأمين استقرار العملة الوطنية والأسعار وتطبيق آليات السوق المعاصرة على مراحل لتداول العملة وتوسيع قاعدة المداخيل للميزانيات الداخلية وتوسيع العلاقات الاقتصادية الخارجية و تطبيق التكنولوجيات المعاصرة لإنتاج منتجات ومواد صالحة للتصدير وتطوير البنية التحتية للنقل واللوجيستيات ورفع الجاذبية الاستثمارية لزيادة الاستثمارات الأجنبية

وتحسين الإدارة الضرائبية وتطبيق المبادئ والآليات المعاصرة لتنظيم النشاط المصرفي وتطوير المزارع المتعددة الفروع وكذلك الإسراع في تطوير السياحة، ويشمل هذا الاتجاه كذلك اتخاذ تدابير لحماية القطاع الخاص وسوق الأوراق المالية وتجديد الزراعة وتطوير مجال صناعة المجوهرات وغيرها.

ومن المخطط خلال السنوات ما بين 2017 – 2021 تحقيق برامج في مجالات أخرى تهدف إلى توظيف استثمارات في 649 مشروعا بمبلغ قدره 40$ مليار دولار أمريكي وهذا سيسمح بزيادة إنتاج البضائع الصناعية خلال 5 سنوات قادمة بـ 1,5 مرة ورفع حصته في الناتج المحلي الإجمالي من 33.6% إلى 36% وحصة الصناعة التحويلية من 80% إلى 85%.

ويشمل الاتجاه الرابع تطوير المجال الاجتماعي واتخاذ إجراءات تقضي برفع انشغال السكان واستكمال نظام الرعاية الاجتماعية والصحية لهم وتطوير وتجديد البنية التحتية للنقل وهندسة المواصلات وتحسين تزويد المواطنين بالطاقة الكهربائية والغاز ورفع وضع المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية وإصلاح نظام الرعاية الصحية ورفع مستوى التعليم المتوسط والاختصاصي المتوسط والتعليم العالي وغيره.

وفي إطار الاتجاه الخامس الذي ينص على ضرورة تأمين الأمن والوفاق بين القوميات والتسامح الديني وممارسة السياسة الخارجية المتزنة والبناءة ذات المنفعة المتبادلة تُتخذ تدابير لحماية النظام الدستوري والسيادة ووحدة أراضي الجمهورية واستكمال نظام القواعد المعلوماتية والحقوقية المعيارية في مجال الأمن السيبراني وتنظيم وتطوير نظام إنذار السكان في حالات طارئة وتخفيف آثار كارثة اضمحلال بحر آرال وكذلك وضع نظرية

الاتجاهات الأولوية للسياسة في مجال العلاقات بين القوميات ونظرية سياسة الدولة في المجال الديني.

كما يُخطط لإعداد "خريطة الطريق" لتطوير التعاون السياسي الدبلوماسي والتجاري الاقتصادي والاستثماري والتكنولوجي والمالي بين أوزبكستان والشركاء الخارجيين في سنة 2017.

ووجه الرئيس الأوزبكي ميرضاييف إلى تنفيذ جميع التدابير المذكورة أعلاه ضمن برنامج الدولة مخصصًا ميزتنية وصلت إلى 37,7 تريليون سوم (العملة المحلية في أوزبكستان) و8,3$ مليار دولار امريكي، كما قرر تكوين هيئة وطنية لتحقيق تلك الإستراتيجية برئاسته، تقوم بإعداد مشروعات لتنفيذ الإستراتيجية التي تعد حافزًا قويًا لتقدم جمهورية أوزبكستان على طريق الإصلاحات والتجديد في جميع المجالات وبناء دولة المؤسسات والقانون الديموقراطية مع اقتصاد السوق المتطور والمجتمع المدني القوي وتأمين أولوية القانون والأمن والهدوء وحرمة حدود الدولة والوفاق بين القوميات والتسامح الديني في المجتمع.

في إطار هذا المرسوم الذي كشف عميقًا عن طبيعة القائد الجديد ومخططه لاستكمال مسيرة مؤسس أوزبكستان الحديثة الراحل إسلام كريموف، نحو دولة أكثر رخاءً وازدهارًا يمكننا القول أن الشعب الأوزبكي ومعه كثير من المحللين المنصفين بانتظار الأفضل لهذه الأمة، وإن كانت التحديات باتت أكثر صعوبة لكن الشعب وقائده بدا دومًا أنهم قادرون.