تحيا مصر : هاتوا ماعندكم عن " المعراج " (طباعة)
هاتوا ماعندكم عن " المعراج "
آخر تحديث: الأربعاء 26/04/2017 06:22 م
سالم الحافى سالم الحافى
وقف مدرس التربية الدينية يحكي لنا عن رحلة الإسراء والمعراج ، كنا وقتها في مرحلة المراهقة التي تتسم بالتمرد حتى على الأوامر الأبوية ، ورأيتني أطلق وابلا من علامات الاستفهام على أستاذي ، أستمع إليها بصبر العالم المتواضع ، ثم أجاب عنها ببصر وبصيرة العالم العامل .

سألته .. تقول لنا إن الإسراء والمعراج " معجزة" ، وسبق أن قلت لنا إن رسول الله تحدى العرب بأن يأتوا بمثل القرآن الكريم لأنهم أرباب فصاحة ، فالتحدى من جنس مابرعوا فيه ، لكن الأمر مع الإسراء والمعراج يختلف ، فلم يكن يملكون مثلا طيارات أسرع من الصوت ولا سفن فضائية ، ليتحداهم في سرعة الوصول لبيت المقدس أو الصعود للسماء ؟

قال أستاذي بابتسامة وقور : نعم معجزة ، وليس المقصود منها التحدي، ولا كانت ظاهرة للناس، فهل مفهوم "المعجزة" أن تستلزم التحدي، هل ما حدث لسيدنا موسى – عليه السلام- من شق البحر معجزة قُصدَ بها التحدي؟ ولما كانت رحلة الإسراء والمعراج عبارة عن أمر يفوق تصورات البشر كان إطلاق لفظة "المعجزة" من باب المجاز، والمعنى أن البشر عجزوا عن تصور حتى هذا الأمر في هذا الزمان، فكانت خرقًا لقوانين البشر، يقول د . "راتب النابلسي" : " لأن الإنسان أحيانًا يتوهَّمُ أن السبب وحده هو الذي يخلق النتيجة، فإذا اعتقد ذلك اعتقادًا جازمًا وقع في الشرك، إن الذي يخلق النتيجة ليس هو السبب، ولكنه الله سبحانه وتعالى، والسببُ في أيةِ لحظةٍ يعطَّل أو يلغى".

وقبل أن يجف عرق إجابة أستاذي ـ رحمه الله ـ عن سؤالي الأول عاجلته بالثاني : لكن الآية تحدثت عن الإسراء فقط دون المعراج ؟
نعم .. تحدثت الآية عن الإسراء فقط دون المعراج، لأن البشر إنما يكذبون ويجادلون في حدود ما يعقلون أو يشاهدون، فالكافرون لم يكذبوا النبي في المعراج، وإنما ركزوا على الإسراء دون المعراج، لأنهم كانوا يرتحلون إلى الشام، ويسافرون إليه فهم يعلمون المسافة إليه، ولذلك تشبثوا بهذه النقطة حتى يبطلوا الأخرى، فيبطلوا الواقعة كلها، فقالوا تدعي أنك ذهبت إلى المسجد الأقصى من ليلتك ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهراً، فلما أقيمت عليهم الحجة عندما طلبوا من النبي أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه ربه له، وأخبرهم عن بعير لهم، وموعد قدومها عليهم، وما يتقدمها من جمل أورق، زالت شبهتهم، ويعني هذا أنهم كانوا حريصين على إبطال المعراج من خلال إبطال الإسراء، والله كان يعلم ذلك فجلى لهم محل المنافسة لأنه الأقوي، فلم يخبر بالمعراج بل بالإسراء، فثبت ما أراده من إثبات المعراج بإثبات الإسراء، والاستدلال بالواقع المحسوس على الغيبي البعيد.

كان تلاميذ الفصل يجلسون وكأن على رؤوسهم الطير ، ويبدو أن الحوار أجاب على علامات استفهام معلقة منذ زمن على أطراف ألسنتهم ، فانتهزت الفرصة وأطلقت العنان لسؤالي الثالث : لكن لماذا كانت رحلة الإسراء والمعراج أصلا ؟
لو وقفنا على التوقيت الذي وقعت فيه الحادثة العجيبة لاستطعنا أن نقف على الجواب، فلقد كانت في وقتٍ توفيت فيه السيدة خديجة ، و كان لها دور بارز في خدمة الدين، نحن نتحدث عن سيدة أعمال من الطراز الأول، وبلغة العصر فقد كانت مليارديرة، ومع ذلك تاجرت مع الله فأنفقت مالها، وضحت بكل نعيم زائل في سبيل الوقوف بجوار النبي الكريم، ولكن ماتت تلك السيدة الفاضلة فكان موتها بمثابة الفاجعة الكبرى على نفس النبي ومات في نفس العام وزير خارجيته الذي كان يتولى المفاوضات الخارجية مع قريش، عمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبو طالب، كل ذلك أدى إلى حالة يمكن لأي إنسان أن يتخيلها من الحزن والضيق، فالنبي أولاً، وآخراً بشر، فهل يتركه ربه كذلك؟ بالطبع لا ، فكانت تلك الرحلة العجيبة بمثابة التسرية والتسلية والتكريم من الحبيب لحبيبه، لكن بطريقة تليق بالمواسي، والمواسى، فأراه ربه جملة من الآيات الباهرة، ورحب به أهل السماء، فكأن الحال يقول له: إذا كان أهل الأرض لا يرحبون بك ولا يعلمون قدرك، فانظر إلى قدرك بين أهل السماء، وقيمتك عندهم، وترحيبهم بك .

عطر الكلام:
في ليلة الإسراء والمعراج تأكدت الصفة الأولى لهذا الدين وهي أنه دين الفطرة ، ففي الحديث " .. ثم أُوتيت بإناء من خمر وإناء من لبن فأخذت اللبن . قال : هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك" .