لا شك أننا نريد ثورة حقيقية، هذه الثورة تكون ضد الفساد، ولكن الفساد المقصود هنا هو فساد المنظومة الأخلاقية، ثورة لاسترداد القيم التى ضاعت، ثورة لعودة الهوية المصرية الأصيلة، ثورة لإقامة وطن يحبه الجميع .
الثورة التى أريدها تلك التى بعث لأجلها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال
"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، لا نريد ثورة لعزل رئيس أو خلعه، ولكن نريد ثورة فى العلم والعمل، فبهما ترتقى الأمم وترتفع راياتها.
لو نظرنا إلى الأمم المتقدمة لوجدناها تقدمت بالعلم واتقان العمل والحفاظ على منظومة القيم فى النظام والنظافة والمحافظة على الأوطان وكل هذه تعاليم إسلامية أصيلة أمرنا بها الدين، نحن نريد ثورة على أنفسنا هدفها قول الله سبحانه وتعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
لو ثار الناس على أنفسهم وأحيوا ضمائرهم واستجابوا للتعاليم الإنسانية التى فطروا عليها لتغير المجتمع من حولهم، لو ثار التاجر على نفسه لما احتكر واستغل حاجة الناس إلى السلعة وقام برفع ثمنها، ولو ثار الصانع على نفسه لما غش فى سلعته ولا سرق علامة تجارية تخص غيره، ولو ثار الموظف على عدم اتقانه للعمل لما وجدنا مصالح الناس معطلة فى الهيئات والمؤسسات، ولو ثار المسئول أو المدير ونزل إلى الشارع لما وجدنا القمامة ملقاة فى كل مكان، ولو ثار المدرس فى مدرسته على نفسه لأتقن فى الشرح لتلاميذه ولما احتاجوا إلى دروس خصوصية ترهق ميزانية الآباء، ولو ثار الطبيب على نفسه وهو ماهر فى عمله لما استغل مرض الناس للتربح ومحاولة الكسب من آلام البسطاء ولما جعل ثلاث مستويات للكشف بين فورى ومستعجل وعادى، ولو ثار المقاول على نفسه لما غش فى مستلزمات البناء وتنازل عن الجشع فى جمع الأموال ثم انهدام العمارة على ساكنيها.
نحتاج فعلا إلى ثورة بطلها المواطن، لقد مرت مصر بثورتين عظيمين هما ثورتى الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو فى أقل من خمس سنوات ما جنت البلاد منهما خيراً، بل وصل الأمر أن الثوار أنفسهم قد كفروا بالثورتين، فلنجرب هذه المرة ثورة من نوع آخر ثورة بطلها المصرى كل فى مجاله وكل فى تخصصه فى محاولة منا لإنقاذ الوطن قبل أن يضيع، قبل أن نبحث عنه فلا نجده، بسبب تناحر أبناءه.
نحتاج من كل مسئول أن يثور على نفسه ويراجع نفسه، ويحاول أن يساند هذا الشعب الذى لا يريد أكثر من أن يعيش فى وطن يجد فيه قوت يومه ويتكسب فيه قدر ما يوفى احتياجاته الضرورية لا يريد منصبا ولا يريد مغنماً ولا مكتسباً
وفى ذلك تحضرنى كلمات الفنان الرائع لطفى بوشناق فى اغنيته الشهيرة أنا مواطن والتى يقول فيها أنا مواطن وحاير أنتظر منكم جواب، منزلي في كل شارع في كل ركن وكل باب، وأكتفي بصبري وصمتي، وفروتي حفنة تراب، ما أخاف الفقر لكن كل خوفي من الضباب، من غياب الوعي عنكم كم أخاف من الغياب، ما أخاف الفقر لكن كل خوفي من الضباب، ومن غياب الوعي عنكم كم أخاف من الغياب، وثورتي كانت غنيمة وافرة لحظرة جناب، سادتي وأنتم حكمتم حكمكم حكم الصواب، وثورتي كانت غنيمة وافرة لحظرة جناب، مايهم ولا أبالي الدنيا ديسها بمداسي، لكن خلولي بلادي، لكن خلولي بلادي، وكل ما قلتم على راسي، يا هناه اللي كان مثلي ما يهمو من ومن، أنتم أصحاب الفخامة والزعامة وأدري لن، لن أكون في يوم منكم يشهد الله والزمن، انا حلمي كلمة وحده، ان ظل عندي وطن، لا حروب ولا خراب لا مصايب لا محن، خدو المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن، خدو المناصب والمكاسب بربي خلولي الوطن، يا وطن وانتا حبيبي انت عزي وتاج راسي، انت يا فخر المواطن والمناظل والسياسي، انت اجمل انت اغلى انت أعظم من الكراسي.