تحيا مصر : العرابة (طباعة)
العرابة
آخر تحديث: الإثنين 14/11/2016 10:48 ص
سارة حجازي سارة حجازي
الوقت المقدس
هل جلست يوماً على مقهى شعبى؟
هل مررت يوما بجواره و تفحصت الجالسين أو دققت فى أوضاعهم؟
كم من اصحابك و معارفك لديهم مشاكل عائليه بسبب تفضيلهم الجلوس على المقهى عوضا عن التواجد مع ذويهم أو عمل أى شىء نافع من وجهة نظر البعض!
كل ما يحدث على المقهى كالأتى:
الحالة الاولى: تجلس فى مكانك المعتاد، تطلب ما تفضل من المشروبات ، تجلس صامتا بمفردك تستمتع بما تشرب أو تحدق النظر بشىء لا يراه سواك.
الحالة الثانية: تجلس مع أصدقاء قدامى تتجاذبون أطراف الحديث الساخر على أحوالكم وأنتم تلعبون الطاولة أو " الدمينوز " أو حتى الشطرنج و إن لم يكن معتادا.
الحالة الثالثة : تجلس مع شخص أو أكثر من رواد المكان و لا تربطك بهم أى علاقة أخرى سوى الحديث فى سياسة البلاد و أحوال العباد مع الحفاظ على الخصوصية الشخصية لكل الاطراف.
الحالة الرابعة : تجلس منزوى تراقب الاخرين وتسترق السمع لكلامهم واحاديثهم ، تتابع " همزاتهم و لزماتهم " ، قد تتفحص أحذيتهم و طبيعة ملابسهم فى بعض الاحيان.
الحالة الخامسة : تجلس لتمارس هواية كالرسم (و إن لم يكن معتاداً) أو حل الكلمات المتقاطعة ، وموخرا السودوكو.
الحالة السادسة : تجلس لتسترجع كل ما حدث معك من معاملات يومية، أبديت فيها إنهزامك تارة أمام من لهم السيادة ، تجبرت و تفاخرت تارة أخرى أمام من هم أقل منك فى المستوى المعيشى او العلمى.
و بالطبع تلتمس لنفسك الأعذار ، تعاليك مدعيا البطولة فى إنهزامك المتعمد الذى قد يكون نصرا لاحقا.
الحالة السابعة : البكاء على اللبن المسكوب او البكاء على الاطلال ، أيا كان ملك زائل او فقدان الاحبة اللائى لا تقوى على فراقهم.
الحالة الثامنة: تجلس لتشكو للعباد قلة الحيلة وقصر ذات اليد فى ضيق الرزق ، والذى قد يصبح تكاسل ، إذا ما دققت النظر، فلن يأتى الرزق ليطاردك على المقهى.
الحالة التاسعة : تجلس بعد يوم عمل لتلقف أنفاسك وتشحن طاقتك بتناول الطعام السريع ثم إحتباس طاقته بداخلك بكوب الشاى قبل الانطلاق الى العمل المسائى ، محاولا تعزية نفسك إنه وضع مؤقت ، سينتهى يوما ما.
الحالة العاشرة : تجلس لتبادل أطراف الحديث مع نفسك التى لا تستطع أن تسمع صوتها فى ظل التلوث الضوضائى الذى يصم عقلك و يجعلك غير قادر على إتخاذ قرار أو الاقدام على مرحلة جديدة.
المقهى يبدو من بعيد مكان للهو و إضاعة الوقت ، فالمقهى ليس مكان لطهو القهوة فقط، ولم تعد القهوة هى بيت القصيد ، بل أصبح المكان الذى نطهو فيه مشاعرنا و نطحن فيه أفكارنا , نحمص ردود أفعالنا و قد نضيف التحويجة حتى نغادر بنكهة مختلفة.
وقت الترفيه الذى بدأه الاتراك و العثمانين تطور ليصبح الوقت المقدس الغير قابل للتفاوض أو التنافس مع اى شىء اخر مهما تعاظمت أهميته ، فى حقيقة الامر ، هذا هو وقت التفريغ النفسي ، الذى يعد بمثابة جلسة نفسية تصفى الذهن و تفرغ ما هو مكبوت بالقلب و يطبق على الانفاس.
و إذا كنا فى مكان أخر قد يتطور هذا الوقت ليصبح وقت الذهاب الى الاخصائى النفسى للحصول على النتيجة المرجوة ، وهى العودة الى الحياة بذهن خال من التقلبات و الانفلاتات بسبب عدم الرضى او عدم السعى.
العرابة بتقولك : " فكر إزاى هتقول اللى فى نفسك "