جريدة تحيا مصر

اخر الأخبار
ads

تحقيقات

جيل كورونا.. ابن العزلة والضياع والكساد العظيم.. ما اللقب الذى سيحمله هذا الجيل؟

الأربعاء 24/فبراير/2021 - 06:45 م
تحيا مصر
طباعة
بوابة تحيا مصر


جيل بدأ للتو يشعر بدبيب الشباب، فتلقى صفعة على وجه أحلامه وهو فى شرخ الصبا، فسرت الشروخ بوجدانه كخطوط الطول والعرض. فرغم أن أبناء هذا الجيل كانوا هم الأوفر حظا فى ظل جائحة كورونا، حيث راوغت خلاياهم الفيروس وسجلوا أقل معدلات الإصابة به؛ لكن المفارقة أن مستقبلهم وأحلامهم لم تتمكن من الفكاك منه، فربما تطاردهم تبعاته لعقود مقبلة مثلما الحال مع الحوادث التاريخية الكبرى كالحرب العالمية الثانية والكساد الكبير. فهل يصبحون الجيل “الضائع”، وتتبدد كل الآمال التى عقدت عليهم أم تراهم قد ينجحون فى صياغة “الضياع” إلى حدوتة “إبداع”؟


بين عشية وضحاها أضحى نحو 1.25 مليار طفل حبيسى الجدران طبقا لتقديرات هيئة “الأمم المتحدة” الصادرة فى ربيع العام الماضي. وتضرر ثلاثة أرباع الدارسين بالعالم تقريبا جراء تعليق الدراسة. بينما يحاول الآباء جاهدين مواصلة مهامهم الوظيفية بالمنزل، فقد جيل كامل من الأطفال والشباب روتينهم اليومى وحيوية التفاعل الحى مع محيطهم الذى انتقل إلى الشاشات الإلكترونية وامتزج الليل بالنهار، والدراسة بالإجازة فكل شيء أصبح لديهم سواء وفقد مذاقه الخاص.

كما يعرف كل حى باسمه، فلكل جيل لقب مثل الجيل “الصامت”، جيل “زد” و”إكس” و”الألفية” وجيل طفرة المواليد. فما اللقب الذى سيحمله هذا الجيل؟ مسميات وألقاب عديدة تم خلعها عليه من قبل المتخصصين ووسائل الإعلام العالمية مثل أبناء “الجيل الضائع”، وهو اللقب الأكثر شيوعا وتداولا بالأدبيات العلمية، بل المحافل الدولية. والمفارقة أن هذا اللقب حمله من قبل الذين ولدوا فى مطلع القرن العشرين وحملوا عبء الخدمة أثناء الحرب العالمية الأولى، ودمرت الحرب آمالهم وتطلعاتهم.

جيل “سى”

تشمل القائمة ألقابا أخرى مثل جيل “سى”، نسبة إلى الحرف الأول من كلمة كورونا باللغة الإنجليزية، جيل “الانعزاليين” على خلفية إجراءات الحظر التى نشأوا بين جدرانها، أو جيل “الوباء” أو “الكورونيين”، وهو اللقب الذى واجه رفضا عاما، فهو أشبه بالإهانة أو الوصم بذكرى حزينة، يتمنى هذا الجيل أن تنمحى من ذاكرته.
ومن الألقاب المثيرة للغرابة اللقب الذى اختارته مجلة “ناشيونال جيوجرافيك” وهو جيل “التغيرات المناخية”! فمن الوهلة الأولى يبدو اللقب، لا يمت بصلة للأحداث، ولكن بعد تأمل تكتشف أن التغيرات المناخية، تم توجيه أصابع الاتهام إليها بوصفها محرك الكوارث التى تعترض مستقبلهم. وجيل “التهديدات” أو”الجيل الغامض” فى إشارة إلى الضبابية التى تكسو سماوات حاضرهم ومستقبلهم.

جيل “زد”

وطبقا لدراسة أجراها معهد “بيو” الشهير، فإن جائحة كورونا، تمثل اللحظة الفارقة فى حياة جيل “زد”، وهو الجيل الذى يلى جيل الألفية، ويرى علماء الديموغرافيا، أنه يشير إلى الذين ولدوا بمنتصف تسعينيات القرن العشرين حتى 2012 تقريبا. ويرى جاسون دورسى - رئيس مركز دراسات علم الأجيال - بحسب ما نشره موقع “يو إس إيه توداي” الشهير، أن جائحة كورونا قد لا تكون العلامة الفارقة التى تفصل بين جيل زد والجيل الذى يليه، لكنها بلا شك تمثل ذروة الأحداث التى شهدها هذا الجيل. وأهم ما قمنا بدراسته على الإطلاق. والجيل التالى لجيل “زد” لن تسمح لهم ذاكرتهم غالبا باستعادة الأحداث التى رافقت جائحة كورونا نظرا لصغر أعمارهم.

بين جيلين

وبحسب رؤية روث إيجلينيك - المستشار البحثى بمعهد بيو - مثلت أحداث الحادى عشر من سبتمبر، الخط الفاصل بين جيل الألفية وجيل زد، حيث كان جيل الألفية غير قادر على استيعاب متغيرات ما بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، بحكم تقدمهم فى العمر. وبالنسبة لجيل كورونا، فإن الوقت لا يزال مبكرا لتحديد هويتهم السيكولوجية وسماتهم الشخصية، فغالبا ما يحتاج علماء دراسات السكان والأجيال وعلماء الاجتماع إلى سنوات طويلة من البحث لرصد الطفرات والتغيرات فى الأنماط السلوكية والقيم والتفضيلات ثم تحديد الأحداث التاريخية التى قد تكون الدافع وراءها. ومن الصعوبة بمكان التنبؤ فى اللحظة الراهنة بالآثار الاجتماعية والنفسية بعيدة المدى والمردود السلبى للأوضاع الاقتصادية المأزومة الناتجة عن جائحة كورونا على أبناء هذا الجيل.
أما مايكل وود - رئيس مركز دراسات الأجيال747 إنسايت - فيرى أنه بخلاف التداعيات السلبية للوضع الاقتصادى من كساد وارتفاع نسبة البطالة عالميا، وفقدان الكثيرين لوظائفهم، فإن الشباب هم الفئة الأكثر تأثرا مقارنة بجيل الآباء. ومن المتوقع أن تسفر تلك الأحداث عن إعادة تشكيل رؤيتهم للمستقبل وفرص التعلم، بل قد تقود إلى إحداث تغيرات هيكلية بالمجتمع، وتطرح تقاليد جديدة يمكن للجيل الجديد تعظيم الاستفادة منها مثل القفزة العلمية التى شهدها مجال اللقاحات.
أشد تعقيدا وأقل استقطابا
أيا كان اللقب الذى سيحمله هذا الجيل، فإنهم لن يكونوا كتلة صماء متماثلة فمن الطبيعى أن تختلف مساراتهم تبعا للظروف الاقتصادية والاجتماعية لكل منهم ولكن ثمة ملامح مشتركة قد تجمعهم، فسوف يحتضنهم عالم أكثر اعتمادا على التكنولوجيا وأشد تعقيدا، وأقل استقطابا بفعل التهديد المشترك الذى واجهه، يحتل العلم مكانة متقدمة بسلم أولوياته خاصة فى مجال اللقاحات، وربما يستعيد الترفيه والأنشطة الخارجية مكانتهما فيه.
ووسط كم هائل من التوقعات السلبية بمستقبل جيل كورونا، لاح بصيص من الأمل من بين ثنايا تقرير مهم، لمجلة “ذا أتلاتنك “ ذات الأطروحات الجادة، عن جيل كورونا، حيث تتنبأ بأن تفرز جائحة كورونا جيلا من المتطوعين، ذلك أن المواقف التى تعرضوا لها وسط أجواء العزل ورائحة الموت، دفعت العديد منهم لبذل التضحيات، ومد يد العون للمرضى بأفكار ومشاريع بسيطة، أو ربما مجرد محاولة دعمهم بمحنتهم، وبالتالى ظهر لدينا بمختلف دول العالم جيش من المتطوعين وجماعات للدعم النفسى أو إيصال وجبات الأطعمة للمرضي، تلك التجارب التى شاهدها وعايشها جيل كورونا تعمق لديهم الشعور بقيمة مشاركة الموارد والتكاتف فى مواجهة الأزمات .

الجيل الصامت

خلال فترة الكساد الكبير بثلاثينيات القرن العشرين والحرب العالمية الثانية برز مصطلح “الجيل الصامت”، فهو تسمية لجيل من الأمريكيين ولدوا فى الحقبة الممتدة ما بين 1925 - 1942 ، وأصبح ذائعا فى أوروبا وأستراليا وتميز هذا الجيل بسمات متناقضة إلى حد بعيد، حيث وقع فريسة للتشاؤم والإحباط ورغبتهم فى التحدى، وهو جيل لم يكن يميل إلى الشعارات ولا الخطابات ولا البيانات ولهذا أطلق عليهم «الجيل الصامت». فهل يكون جيل كورونا جيلا صامتا؟
لا يستبعد مايكل وود - رئيس مركز “إنسايت” الأمريكى لعلم السكان والأجيال - أن يكون جيل كورونا مرآة للجيل الصامت أو إعادة إنتاج له، لكن فى صورة مختلفة بطبيعة الحال، لكن يظل هذا الاحتمال مرهونا بحجم التضحيات التى سيقدمها ويتحملها جيل كورونا. وتختلف معه إيجلنيك بمركز «بيو» حيث تعتقد أن عقد مقارنة بين جيل الكساد الكبير الشهير «بالجيل الصامت» وجيل «كورونا» فكرة ذات قدر من الوجاهة ولا تخلو من بعض التشابه، لكن جرى فى النهر كثير من المياه وتبدلت الأحداث بشكل غير مسبوق كالتطور التكنولوجي، التعليم عن بعد وغيره من المستجدات التى تجعل المقارنة تفتقد لأوجه تطابق، لاسيما أن نطاق تأثير كورونا وانتشاره يجعله غير مسبوق مقارنة بالأحداث التاريخية الكبرى والحروب العالمية، ومن ثم رقعة تأثيره وقوتها ستختلف تماما.

قلق دولى

القلق على مستقبل هذا الجيل لم يقتصر على علماء النفس بمراكز البحوث والدراسات الاجتماعية فحسب، بل شاركتهم ذات الهواجس المحافل الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، التى دقت أجراس الخطر بتقرير لها فى شهر نوفمبر من العام الماضى محذرة من إمكانية ظهور “جيل ضائع” مع استمرار جائحة كورونا فى الإضرار بتعليم الأطفال وتغذيتهم وصحتهم . فما بين مطرقة الفقر وسندان المرض يتأرجح مستقبلهم، حيث انزلق إلى مستنقع الفقر متعدد الأبعاد نحو 150 مليون طفل إضافى حتى منتصف 2020. وكشف التقرير عن انخفاض فى تغطية الخدمات الصحية فى ثلث الدول التى شملها البحث (140) دولة، وهو ما يعود غالبا إلى الخوف من العدوى. وقالت المديرة التنفيذية لليونيسيف هنريتا فور: “إن الاضطرابات التى أصابت قطاع الخدمات الصحية والاجتماعية وارتفاع معدلات الفقر، تشكل أكبر تهديد للأطفال الصغار”، فالهزال وسوء التغذية الحاد باتا يهددان ما يتراوح بين 6 و7 ملايين طفل ممن هم دون سن الخامسة، بزيادة قدرها 14 % معظمهم فى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا.وكلما طال أمد الأزمة كان تأثيرها بطبيعة الحال أعمق.

على خطى الكساد الكبير

نشرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية تقريرا مطولا بعنوان “الكساد الكبير دمر فرص الحياة لأجيال عديدة.. كورونا يسير على ذات الخطى” خلاصته: أن جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية من شأنها التأثير على نمط تفكير جيل كامل على المدى البعيد على غرار الكساد الكبير بثلاثينيات القرن العشرين. فالتعرض مبكرا للصدمات الاقتصادية وفقدان الشعور بالأمان والاستقرار المالى، يؤثر على قدرة الأفراد على التكيف مع الأحداث وتعاملهم مع ما يطرحه الواقع من فرص ومخاطر. والمفارقة التى يلفت نظرنا إليها خبراء علم الاقتصاد الاجتماعي، أن الخبرات التى أثبتتها التجارب التاريخية السابقة، أنه إبان مرحلة الكساد الكبير، استطاع البعض تحقيق ثروات طائلة وأصبحوا مليونيرات بالولايات المتحدة الأمريكية، فالأوقات العصيبة تحفز التفكير الإبداعي وابتكار الحلول غير التقليدية، فالأطفال بالخنادق يتطلعون إلى نجوم السماء.
لكن بالطبع تركت تلك الأحداث والمعاناة بصماتها على وجدانهم، حيث يميل الأطفال الذين عاشوا فى أجواء من التوتر وعدم الاستقرار والإحباط، إلى فقدان الثقة بالمستقبل، وتحتل عوامل المخاطرة الأولوية فى حساباتهم مع الحرص على الادخار كلما تسنى لهم ذلك.
وبالطبع لا يزال الوقت مبكرا للحكم على جيل كورونا الذى لم يبرح الشاشات!

شهود عيان
نظرا لوجود فجوة أزلية بين الأجيال، كان من الأفضل معرفة مكنون مشاعرهم بألسنتهم، وهو ما تحقق بالفعل عبر تجربة ممتعة أكثر واقعية قامت بها فتاة أمريكية تدعى إيل أوبرن حديثة التخرج بجامعة – كولجيت بنيويورك – ونشرتها مجلة “ناشيونال جيوجرافيك” حيث فضلت سماع شهادات هذا الجيل عن معاناتهم جراء جائحة كورونا بالأصالة عن أنفسهم؛ ربما رفضا لكل أشكال الوصاية من الآخرين حتى إن كانت مجرد محاولة استشراف لمستقبلهم.
انطلقت التجربة فى شهر أبريل العام الماضى، حيث دأبت أوبرن على إجراء استبيان بشكل دورى وعلى مدى شهور ممتدة عبر منصات السوشيال ميديا عن استجابة أبناء هذا الجيل الشباب لجائحة كورونا، ولاقت تجربتها تجاوبا من قبل المئات.
وكانت النتيجة التى خلصت إليها هى خليط معقد من الخوف والأمل، ردود أفعال متناقضة من الضحك والبكاء فى ذات اليوم، رفض للصمت، والمثير للسخرية أن هذا الجيل احتاج لكل تلك الشهور من التباعد الاجتماعي ليدرك أهمية الانخراط فى المجتمع!
جيل التغيرات المناخية
ولعل أسوأ ما كشفه الوباء - من وجهة نظر من شارك بتلك التجربة الاستبيانية - هو التفاوت الهائل بعالم اليوم، وسوء معاملة كوكبنا والعواقب الوخيمة الناتجة عن ذلك. وتساورهم هواجس القلق بشأن حالة الطوارئ المناخية بذات قدر المخاوف التى أثارها فيروس كورونا؛ لذلك يميل هذا الجيل إلى لقب “جيل التغيرات المناخية” حيث يراه الأكثر ملاءمة وتعبيرا عن ذاته؛ وبوصفه التهديد الأشد خطرا للبشرية. وقد أخفقت الأجيال السابقة فى إزاحة تلك المخاطر أو الحد من انتشارها كتلوث الهواء، ارتفاع منسوب المياه بالبحار والأنهار وغيرها ربما اعتقادا منهم أنهم ليس هم الجيل الذى سيعانى من ويلاتها، ومن ثم تركوا عبء تلك المهمة للأجيال التالية. ورغم أن الدمار الذى خلفه كورونا غير مسبوق، لكنه كان بمثابة بروفة لكوارث مقبلة.
واللافت للنظر تماهى تلك الرؤية الخاصة بالتغيرات المناخية مع التصريحات الأخيرة للملياردير الأمريكى بيل جيتس - الشريك المؤسس والرئيس التنفيذى السابق لشركة مايكروسوفت - التى حذر فيها من كارثة بيئية من صنع البشر أنفسهم، ألا وهى “تغير المناخ”، مؤكدا أنه مهما يكن وباء كورونا مروعا فالتغيرات المناخية ربما تكون أشد خطرا، فى ظل توقعات بأن يماثل عدد ضحايا مشكلة التغير المناخى بحلول عام 2060 عدد ضحايا وباء كورونا.
التلاقى بين تصريحات جيتس «ملك البرمجيات» واعترافات أبناء جيل كورونا بتفضيلهم للقب «جيل المخاطر المناخية» توحى بأن ذلك هو التحدى الأخطر، وأن تعاملهم معه هو الذى سيحدد ملامح هذا الجيل.
ورغم أن هذا الاستبيان يفتقر إلى المعايير العلمية المنهجية وجرى بشكل ودى، لكنه كان أكثر تلقائية وكاشفا عن مشاعر هذا الجيل كما وردت على ألسنتهم دونما إنابة ممن ينتمون لجيل آخر، فضلا عن الأهمية التى أسبغتها عليه مجلة «ناشيونال جيوجرافيك» الرصينة المتجددة بنشره ضمن تقريرها عن جيل كورونا.
غاضبون وغاضبات
موجة من مشاعر الإحباط والضجر تسود بين أوساط الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما، رصدتها صحيفة “فاينناشيال تايمز” البريطانية، تؤكد باختصار أن أحوال هذا الجيل على غير ما يرام.
فالأرقام والإحصائيات تشير إلى معاناة الطلاب والموظفين الشباب أكثر من غيرهم، فرغم أنهم كانوا فى الصفوف الأخيرة ضمن إصابات كورونا، فإنهم الأكثر تأثرا بتداعياته الاقتصادية. وقد أجرت الصحيفة استبيان شمل عينة حجمها 800 مشارك تقل أعمارهم عن ثلاثين عاما، تبين من نتائجها شعورهم بالاستياء العام والغريب أنهم قاموا بصب جام غضبهم على الأجيال السابقة وإلقاء اللوم عليهم عما آلت إليه الأمور من ترد عالمى فى الوقت الذى ينعمون فيه بالراحة.
وبحسب بيانات “منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية” فإن الشباب أقل من 25 عاما أكثر عرضة لفقدان وظائفهم أو عدم الحصول على فرص عمل بديلة بمقدار 2.5 مقارنة بمن هم أكبر سنا.
كل ما سبق هو مجرد تكهنات، فالسمات الحقيقية لجيل كورونا لن تتجلى عبر فصول صراعه مع كورونا باللحظة الراهنة، لكن ماذا هم فاعلون حين يعبرون إلى شاطئ الأمان، فاللقب الذى سيحمله هذا الجيل مرهون بنمط استجابتهم لتحديات ما بعد الأزمة. فما بين ثنائية الضياع والإبداع، تتعثر خطاهم وتتأرجح توقعات العالم الذى يراقبهم بقلق مبطن بأمل أن تكون الغلبة للأخيرة .
وأخيرا تتردد فى آذاننا مقولة جريتا ثونبرج، الناشطة السويدية فى مجال المناخ، فى قمة المناخ عام 2019 قائلة: “إن أعين الأجيال القادمة معلقة عليكم، فإذا قررتم خذلاننا فلن نسامحكم أبدأ”. وهكذا أعين العالم اليوم على جيل كورونا، وإن كان ما عايشه يشفع له إذا أخفق، فرغم أن كورونا شمل تأثيره جميع الأجيال بدرجات وصور مختلفة فإن الشباب كان لهم النصيب الأكبر .

كتاب جديد: جيل كورونا.. شباب فى أزمة

شباب فى أزمة أو أزمة شباب تناولها كتاب صدر حديثا فى شهر نوفمبر 2020 بعنوان “جيل كورونا.. شباب فى ظل أزمة” عن دار نشر “زيرو بوكس” للكاتبة جين بريستو، وهى محاضرة بعلم الاجتماع بجامعة “كانتربري” بنيوزيلندا ولها دراسات عن “صراع الأجيال” ويقع الكتاب فى 112 صفحة .
حددت الكاتبة ثلاثة أسباب دفعتها لتأليف هذا الكتاب، الدافع الأول كان وصف رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون لجائحة كورونا، بأنها “أسوأ كارثة صحية لجيل كامل”، وبحكم اهتمامها كباحثة اجتماعية بتطور الأجيال، شعرت أن تأثير تلك الأزمة سوف يمتد لحقب ممتدة.كذلك فإن جيل الشباب هم الأكثر تأثرا مقارنة بالفئات العمرية الأخرى، لا نقول إنهم الأسوأ حظا، لكن نظرا لأن تجربتهم الحياتية لا تزال فى طور التشكل، فالأمر يعتمد على موقعهم من دائرة الحياة الزمنية.
وترى الكاتبة أن تلك اللحظة الفارقة من شأنها تحفيز نمو وعى إدراكى مميز لهذا الجيل، يرافقهم مدى حياتهم كالوشم، وترفض اعتبار تلك الجائحة نهاية عالمهم فتلك الفرضية ينبغى توخى الحذر حيالها. فهى لا تعدو أكثر من مجرد فصل جديد فى السلسلة الدرامية للأزمات الاقتصادية والمؤسساتية المتتالية، وسوف يكون للجيل الجديد دور بارز رائد فى صياغة حلول لها، ومن ثم فإن «جيل كورونا» ينسب إلى ذروة أزمة وصدمة اجتماعية وليس إلى مجرد فيروس أو وباء طبيعى.
الدافع الثانى تمثل فى تعليق الدراسة وخطورة توقف دور المؤسسة التعليمية لاسيما فى ظل الأزمات الكبرى ومساعدة الطلاب على اجتيازها، فضلا عن كونها بوتقة، تتيح للأطفال الاحتكاك بقرنائهم من ذات الجيل ذلك الدور الذى تدركه جيدا بحكم عملها بالجامعة.
أما الدافع الثالث، فكان شخصيا بالأساس نابعا من كونها أم لفتاتين فى سن المراهقة، ولمست من تجربتها الشخصية معاناتهما الصامتة.
وتؤكد المؤلفة أن هذا الكتاب ليس دراسة أكاديمية لكنه قائم بالأساس على مشاهدات وسرد ذاتى لتجارب الأصدقاء الشباب ببريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وتذكر المؤلفة على سبيل المثال، أن من أكثر المواقف التى هزت هذا الجيل هو الحرمان من حفلات التخرج بما لها من رمزية خاصة، وليس كمجرد فاعلية احتفالية.
وترفض مقارنة جيل كورونا بأجيال الحروب العالمية، حيث من السذاجة مقارنة الأطفال الذين تم إجلاؤهم من منازلهم أو عاشوا فى الخنادق وواجهوا مصيرا مؤلما ومشاهد مروعة بمن يلبثون خلف الشاشات على أريكة مريحة! وليس هذا تهويناً من حجم معاناة جيل كورونا، لكن مجرد إشارة إلى الفارق. ويعتمد مستقبل جيل كورونا على استجابته وفلسفته للتجربة، وكيف أثرت إجراءات العزل على رؤيتهم للمجتمع ولأنفسهم؟ هذا هو السؤال الجوهرى بين دفتى الكتاب.وتحتاج تلك الوقائع السردية لهذا الجيل لمزيد من التوثيق، فتجارب الأجيال واستجابتهم للأزمات لا تقبل التعميم نظرا للاختلافات الاجتماعية والعرقية والثقافية ومن ثم تجنح إلى أن تكون «شخصية» وبالتالى ينبغى علينا الحذر من الوقوع فى شرك التعميم.
والأفراد الذين واجهوا كوارث ينمو لديهم “إدراك خاص” للعالم ما قبل وما بعد اللحظة الفارقة. حيث ترى أستاذة علم النفس والأجيال جاين توينج، أن جائحة كورونا أخطر من أحداث الحادى عشر من سبتمبر، بالنظر إلى اتساع رقعة انتشاره عالميا، ومن ثم تأثيره المباشر، فضلا عن التغيرات اليومية التى طرأت على روتين العالم أجمع، وهو ما لم يحدث فى السوابق التاريخية المذكورة.
هذا الكتاب ليس محاولة للتنبؤ بمستقبل جيل كورونا، لكنه سرد لمأساتهم وأحلامهم التى تم تكميمها خلف أقنعة الوجه.

إرسل لصديق

ads

تصويت

ما هي توقعاتك لقرار البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة

ما هي توقعاتك لقرار البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر